مخطئ من يعتقد أن السياسات التركية الرامية إلى تعزيز الوجود التركى فى المنطقة، محض صدفة صنعها التوقيت الحالى، أو أنها ستنتهى فى غضون شهور أو سنين، أو حتى إذا لاقت الفشل، فتركيا التى ترى أمامها فرصة كبيرة لتكون قوة حقيقية فى المنطقة تدرس توسعها بشكل «علمى»، وترسخ لنفسها وجودا يلعب الإعلام فيه دورا رئيسا، جنبا إلى جنب مع التوازنات السياسية، و«اللاعب» التركى الذى يرى فى مصر حليفا جغرافيا ذا أبعاد سياسية، يحرص فى الوقت نفسه على أن يبنى علاقة إعلامية مع هذا الحليف.
حين انطلقت الفضائية التركية الناطقة بالعربية «تى آر تى» فى شهر أبريل من العام الماضى، بقرار حكومى يجعلها تابعة لهيئة الإذاعة والتليفزيون التركية، أعلن مؤسسو هذه القناة أنها «لن تكون للدعاية التركية، وإنما ستتناول القضايا السياسية المشتركة بين تركيا والعالم العربى»، وفى الإطار نفسه أطلت القناة فى فترتها الصباحية، ببرنامج يقترب كثيرا من الشكل التقليدى للبرامج الصباحية العربية على النسق الذى ابتدعته الشبكة العربية الأقدم «راديو وتليفزيون العرب» «إيه آر تى»، حيث يتم فتح «نافذتين» واحدة من القاهرة والأخرى من إسطنبول، ليكون اسم البرنامج «صباح الخير من إسطنبول»، وتقدم مذيعة القاهرة فقرة تصل مدتها إلى نصف الساعة، ما بين ضيوف وتقارير خارجية، وتقدم إسطنبول الباقى، مع التركيز على التعريف بالثقافة التركية، والفن التركى، ومدن تركيا، بهدف صنع تقارب ثقافى ونفسى بين جمهور البرنامج فى كل من مصر وتركيا.
والفكرة فى حد ذاتها مغامرة، فمن افترض أصلا أن هناك جمهورا مصريا قد يهتم بالبرنامج؟ وبالمنطق نفسه: جمهورا تركيا يهتم؟ إلا أن الدأب «التركى» نفسه، الذى «افترض» شعبية قد تكسبها تركيا فى المنطقة العربية، على اعتبار الخلفيات التاريخية، هو نفسه الذى بدأ يعطى البرنامج مكانه على الخريطة، خاصةً مع زيارة رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوجان.
ها.. أدركنا أن صانعين للسياسات الإعلامية التركية خططوا وينفذون لمخاطبة الجمهور المصرى، فماذا أعددنا نحن لمخاطبة الجمهور التركى؟ مع الوضع فى الاعتبار أن تركيا التى أطلت علينا «إعلاميا» وسياسيا تنتوى البقاء فى فضائنا كثيرا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة