.. هل هى مؤامرة أم صفقة أم محض غفلة عن إدارك الكارثة التى يبدو وكأننا مقدمون عليها، بسرعة ودون أى محاولة للتأمل والتوقف قبل الانجراف إلى الهاوية.. ثورة يصنعها شباب يحلم بالتغيير فيغتصبها أعداء التقدم الذين سخروا منها ودعوا لسحقها استجابة لإرادة حاكم لا يجوز الخروج عليه.. ثورة وثقت بدماء شهدائها مبادئ تحررها وكرامتها فإذا بمن لم نر لهم صورة شهيد واحد يقفزون دون خجل فى مقدمة الصفوف مؤكدين أنهم صناع الثورة.. أصبح هؤلاء وقد أتاح لهم مناخ الحرية الذى صنعته أرواح الشهداء نجوما إعلامية تجهر بالعداء البغيض لكل أحلام البسطاء فى رؤية وطن قوى موحد يتساوى فيه الجميع أمام قانون واحد.
طرف الصفقة الآخر هو المجلس العسكرى الحاكم الذى «يلعب» سياسة بطريقة النظام المخلوع، يتصور إمكانية التحكم فى هذه التيارات الفاشية ويتجاهل دروس التاريخ القاطعة بأن الوعود لا تصدق والتعهدات لاتحترم مع من يعتقد أن فى القضاء على مخالفيه بكل الطرق وعد الجنة وحور العين.. المجلس العسكرى الذى ساومهم على عدم الاشتراك فى الغضب الشعبى المتصاعد وفى «التنسيق» معهم قبل أى «عمل» مشترك مع «الشعب» المصرى بكل طوائفه ومع ائتلافات الثورة التى نصبته حارسا لأمانى الثوار يعطيهم فى المقابل:
1 - تراجعا مهينًا فى موضوع المبادئ الدستورية التى تؤكد مدنية الدولة «التى قال عنها رئيس الأركان إنها قضية أمن قومى».. والاستسلام لابتزار القوة الوحيدة التى رفضتها لأنها ببساطة تريد يدًا مطلقة لتحويل مصر العظيمة إلى دولة دينية صماء، .
2 - التجاهل التام لقانون تجريم التمييز الذى كان جاهزًا تماما والذى يمنع ويجرم ما يحدث الآن على المنابر بل فى الصحف وعلى شاشات التليفزيون، من تكفير لشركاء الوطن من الأقباط بل الدعاء بالموت على الليبراليين فى الصلاة دون وازع من قانون أو أخلاق.
3 - «الاستعباط»- وليس هناك تعبير أكثر دقة- فى قبول الدولة تشكيل أحزاب دينية محضة بالمخالفة للقانون، لمجرد أن الأوراق تقول ذلك.
4 - الإصرار المتعنت على إجراء انتخابات متعجلة وفق قوانين رفضتها كل القوى الوطنية وسط كل هذه الأجواء يصل أردوغان ويصيب دعاة الدولة الدينية بصدمة حضارية عندما يعلن إيمانه بالعلمانية التى نحح المتأسلمون - بالدأب والقهر - فى تحميلها بالكفر والخروج من الملة.. العلمانية التى طالما أعلن مناصروها أنها لا تعنى سوى حق الجميع فى عبادة الله - كل بطريقته - وواجب الدولة أن تتيح للجميع هذا الحق دون أى تفرقة. أردوغان يفخر بأنه حصل على أصوات العلمانيين فى انتخابات حولت تركيا إلى نمر اقتصادى ونسبة نمو تصل إلى 13 %، وأن العلمانية هى الطريق الوحيد للتقدم بعيدًا عن استغلال الدين فى شؤون الدنيا، تقديسًا واحتراما له لا استبعادا وكرها.. صُدم الإسلامجيون، وكذلك اليساريون المتراجعون أمام ابتزازهم حتى عن استخدام المصطلح، وبعد أن كانوا يروجون للنموذج التركى، انقلبوا فى لحظات وبشكل يخلو من أى لياقة أو كرامة أو احترام للنفس، يطعنون فى الرجل وفى التجربة الماثلة على أرض الواقع، وبذلك لم يبق أمامهم بعد رفض التجربة الإيرانية وتجربة حزب الله الانفصالية إلا نموذج السودان الذى أدى - ومازال- إلى تقسيم الوطن أو نموذج الصومال العظيم.. أو أنهم يطلبون منا المغامرة بالوطن كله فى تجربة لم يثبت التاريخ كله أنها يمكن أن تأتى بأى قدر من السعادة لهذا الشعب الذى طالت أشواقه إلى الحرية والكرامة والحياة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة