لم يكن الثوار يريدون أكثر من هذا، لم تكن لديهم روح الشماتة فى رئيس انقلب عليه شعبه غضبًا لما طالهم من سوء حال وظلم اجتماعى، كل ما كانوا يريدونه أن يقف الرئيس السابق مثل كل مواطن متهم فى قفص الاتهام، يعامل بالقانون الذى يسرى على الجميع، كانوا يريدون أن يتأكدوا إن الثورة غيرت مصر من بلد الشخص المؤلهة إلى دولة القانون التى لا تفرقة فيها بين رئيس وخفير ولا بين ذى عزوة وذى عسرة، قليلون من كانوا ينتظرون الرئيس السابق فى القفص ليشفوا غليل سنوات من الظلم الذى تعرضوا له من اعتقالات وأحكام بلا سند ولا سبب فى عصر مبارك، لكن الأغلبية لا تراودها روح الشماتة، بل أغلبهم لم يكونوا يتمنون أن ينتهى مصير رئيسهم فى القفص، كانوا يتمنونه أكبر من ذلك، قدوة وليس عبرة لمن يأتى من بعده، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه والثورة ليس لها قلب، الثورات لا تتعامل بالعواطف وإنما تطبق القانون بلا رحمة، الثورات لا ترحم إلا من يرحمه القانون، ومبارك الآن بين يدى القضاء وروحه معلقة على حكم القانون ولو قال القضاء كلمته مهما كانت لن يرفضها الثوار طالما اتفقت مع القانون، فالثوار لم يفقدوا ثقتهم فى القضاء المصرى ويثقون أنه ملىء بقضاة لا يخشون فى الحق لومة لائم، لا يجاملون على حساب العدالة ولا يجيدون التوازنات السياسية ولا المغازلة للرأى العام، فى مصر قضاء رفيع يحكم كما تقضى قواعد العدالة والمستشار أحمد رفعت لم تمس سمعته القضائية شبهة ولم تطله شائعة، قاض كما تقول القواعد، والجميع لا يشكون فى نزاهته، فى أول جلسة رسخ القاضى رفعت على الهواء قدر القضاء المصرى، قدم للعالم صورة مشرفة لحماة العدالة فى بلد الحضارة والتاريخ، وما سيصدر من أحكام عن القاضى رفعت سيحترمه الجميع، فهم لا يطلبون حكما مسبقًا ولا يريدون محاكمات صورية، وإنما يطلبون العدالة التى كانت واحدة من شعارات ثلاثة رفعتها الثورة، ومن يرفع شعار العدالة لن يخرج عليه، وسواء أدانت المحكمة الرئيس السابق ونجليه أو برأته، وسواء كان الحكم إعدامًا أو سجنا أو حبسًا أو حتى براءة فسيكون محل تقدير واحترام من كل المصريين وفى مقدمتهم الثوار، فما كانوا يخشون من عدم حدوثه تحقق أخيرًا، وقف الرئيس السابق فى القفص وخاطبته المحكمة بالمتهم، وبعد ذلك ليس من شيم المصريين روح الانتقام ولا الشماتة ولا ذبح السمعة دون دليل.
ما حدث فى جلسة الإجراءات لمحاكمة الرئيس السابق أدخل الطمأنينة فى قلوب كل المصريين، أكد لهم أن العدالة فى مصر معصوبة وأمينة على حقوق المجتمع أكثر من غيرها، لا ترى متهما من منصبه وإنما تتعامل معه بالوقائع، وكل العقلاء يكفيهم للاطمئنان ما شاهدوه على الهواء مع 80 مليون مصرى ويطالبون بترك القضايا والمتهمين أمانة بين يدى القضاء ليتفرغ المصريون لبناء مستقبل بلدهم، يناقشون بجدية وخوف على مصر كيف تعود الحياة إلى طبيعتها وكيف تستقيم الأوضاع الأمنية وتعود عجلة الاقتصاد إلى الدوران مرة أخرى، القضاء كفيل بالمتهمين وبالثأر للشهداء ممن ثبت تورطه فى قتلهم والمجتمع يتابعه هوائيا لكن فى مصر ملفات لا تقل خطورة وتحتاج تحرك سريع، الاستثمارات التى توقفت تنتظر من يتخذ خطوات تحفيزية تعيدها من جديد، البطالة التى تتزايد معدلاتها تتطلب خططًا عاجلة حكومية وشعبية لمواجهتها، ملف تحقيق العدالة الاجتماعية يحتاج أن يتوافق حوله الجميع من أجل إنجازه وإنصاف الفقراء بعد طول انتظار، الانتخابات المقبلة التى ستحدد بشكل كبير مستقبل مصر تحتاج أن ينشغل بها كل المهمومين بالبلد ويتحركوا سريعا لتوعية المواطنين بحقوقهم وكيف يحمون مصالحهم حتى لا تسرق مقاعد البرلمان فى غفلة، هذه الملفات عاجلة لا تحتمل الانتظار لما بعد المحاكمة، وإنما تستوجب التحرك اليوم قبل الغد وخاصة ملفات مكافحة الفقر، فالفقراء لن يتحملوا الصبر أكثر من هذا ولن ينتظروا حكم القضاء فى قضايا الفساد وقتل المتظاهرين، وإنما يريدون أن يحصدوا سريعًا ثمار الثورة التى شاركوا فيها وأشعلوا نيرانها وثبتوا أقدامها.
عدد الردود 0
بواسطة:
الجمهورية الإسلامية المتحدة
الجمهورية الإسلامية المتحدة
عدد الردود 0
بواسطة:
بلال
مقال رائع
أكثر من رائع ما شاء الله عليك يا أبو عبد الرحمن