المحاكمات العسكرية لعنة أصابت المصريين منذ ثورة يوليو وحتى الآن، فكل دول العالم تحرص كل الحرص على مثول المدنيين أمام القضاء المدنى الطبيعى، لكن نحن فى مصر لنا تاريخ أسود وطويل مع المحاكمات العسكرية لمدنيين، بدأ من ثورة يوليو التى صفت معارضيها من خلال هذه المحاكمات المشبوهة، التى حرمت الأمة من رموزها من أمثال الشيخ سيد قطب والمستشار الصابر عبدالقادر عودة، وغيرهما من شرفاء الوطن.
ثم جاء عهد مبارك ليرسخ محاكمة المدنيين أمام المحاكم الاستثنائية، وعلى رأسها العسكرية، ووجدنا المئات يقبعون فى سجون الطاغية مبارك، بأحكام سياسية مجحفة بعيدة كل البعد عن قيم العدل، حيث جعل مبارك ونظامه المحاكمات العسكرية، أداة عقاب لكل من يخالفه، محاولاً من خلالها بذر الكراهية والفتنة بين الجيش والشعب.
الخلل فى ميزان العدل خلال حقبة حكم الطاغية مبارك كان من أهم أسباب قيام ثورة 25 يناير، فكلنا استشعر الظلم والإجحاف، وكان أملنا جميعاً بعد نجاح ثورتنا المباركة أن يسود العدل، وأن تنتهى ظاهرة المحاكم العسكرية للمدنيين، لكن للأسف وجدنا أن هناك 10 آلاف شخص تمت محاكمتهم أمام المحاكم العسكرية من بعد الثورة حتى الآن، وذلك وفقاً للبيانات التى أصدرتها منظمة العفو الدولية، وإن كانت هذه المحاكمات مقبولة فى حق البلطجية ومهددى الاستقرار الاجتماعى، إلا أنها مرفوضة كل الرفض فى حق شباب الثورة، والنشطاء السياسيين، لذلك وجدنا كل القوى السياسية والأحزاب من أقصى اليمين لأقصى اليسار، يرفضون مثول بعض شباب الثورة أمام القضاء العسكرى.
وكانت آخر هذه المهازل إحالة نشطاء سياسيين وعلى رأسهم لؤى نجاتى والناشطة أسماء محفوظ، القيادية بحزب التيار المصرى، والقيادية السابقة بحركة شباب 6 أبريل، للمحكمة العسكرية، فى القضية رقم 55/ 2011، ومن قبلها إفراج النيابة عنها بكفالة 20 ألف جنيه، وذلك فى قضية مرتبطة بالتعبير عن الرأى وتمس الحريات السياسية وحق النقد لمؤسسات الدولة.
ولو عقدنا مقارنة بسيطة بين الطاغية مبارك وعصابته، وما ارتكبوه من جرم فى حق مصر وشعبها، وبين التهم التى وجهتها النيابة العسكرية لأسماء، لوجدنا أن العدل يستوجب علينا محاكمة الطاغية وعصابته أمام مليون محكمة استثنائية، لكن ما يشعرنا بأنه مازالت هناك بعض الأوضاع المقلوبة، أننا نجد الجميع حريصا على محاكمة عادلة لهذا الطاغية، فى حين نجد شباب الثورة أمام محاكمة عسكرية، ولولا تراجع المجلس العسكرى عن محاكمة هؤلاء الشباب، وتنازله عن الشكوى المقدمة فى حقهم، لاشتعل الشارع السياسى غضباً.
لابد أن يعى الجميع أننا نمر بمرحلة تاريخية صعبة، وسيكون التاريخ شاهدا على الجميع، لذا على القائمين على حكم مصر، أن يرسخوا فى المرحلة القادمة للقضاء على ظاهرة المحاكم الاستثنائية، وأن يطهروا الوطن من هذه الخطيئة التى ترتكب فى حق المدنيين، فالمصريون يتطلعون لمستقبل يسود فيه العدل، ويتمتع فيه الجميع بحق المثول أمام قاضيه الطبيعى، حتى لو كان الطاغية مبارك وعصابته.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة