القضاء هو قلب الأمة وروحها، هكذا قال رئيس وزراء إنجلترا الراحل ونستون تشرشل.. وفى مصر اليوم نحن نسعى لأن يكون القضاء هكذا.. قلب مصر وروحها.. إلا أن الآونة الأخيرة شهدت نغمة غريبة على مجتمع القضاة، ذلك المجتمع الذى عرفناه صامتاً فيما يخصه، فهو يناقش أمره بنفسه ودون تدخل من أحد.. وذلك لخصوصية القضاء الشديدة وحساسيته المرهفة، اليوم نرى ما يتردد بشأن «ندب القضاة» وتعالى أصوات البعض، وأكثرهم من خارج السلطة القضائية، بإلغاء ندب القضاة، بعض الوقت وفى غير أوقات العمل الرسمية، للعمل كمستشارين قانونيين فى الوزارات والهيئات العامة داخل البلاد.
والحقيقة أننى لا أرى ثمة مبررا لمن ينادى بذلك الإلغاء، ولا أرى مصلحة فى ذلك سواء كان من ينادى به من القضاة أو من غيرهم، بل على العكس، ومن خلال ما علمته وما لمسته بنفسى من تعامل مع وزارات شتى وهيئات مختلفة بها قضاة منتدبون للعمل بها مستشارين قانونيين، وكما نعلم أن فى الندب فوائد كثيرة تعود على المجتمع بالنفع وتحقق الصالح العام، وهو ما يدفعنا إلى طرح الأمر والحديث فيه من جوانبه المختلفة، فالقاضى المنتدب بعض الوقت للعمل مستشاراً قانونياً لوزارة أو هيئة، يجعل أداءها القانونى منضبطاً وبعيداً عن إساءة استعمال السلطة، فهو يضع التصرف الوزارى والإدارى من خلال القرارات الوزارية والإدارية، المنظم للعمل فى ميزان التفسير والتأويل الصحيح للقانون، وفق ضوابط من الحيدة والتجرد والنزاهة والعدالة، التى تدرب عليها من خلال العمل القضائى، محاولاً الوصول بذلك الأداء إلى مواءمة التطبيق الصحيح للقانون، والقواعد الإدارية مع متطلبات العمل ومصالح الجماهير، مبتعداً عن الجمود والفكر البيروقراطى وهو آفة العمل الإدارى، بما يساهم بقدر كبير فى أداء جهة الإدارة ودورها المنوطة به على الوجه الأكمل وفى سياق قانونى منضبط بما يجعله بمأمن من الإلغاء أو التعديل من خلال الرقابة القضائية، ومن ثم يتحقق الاستقرار الإدارى ومن الرضا العام عن أداء جهة الإدارة، وهو نفع عام نأمله جميعاً ويحقق بعضاً من مبادئ الثورة التى تنادى بالعدالة والاستقرار فى جميع أجهزة الدولة.
ونتساءل: من يقوم بهذا الدور الهام سوى القاضى الذى يضع فيه الشعب المصرى بأكمله كامل الثقة ويستقبل أعماله برضا تام، لأن ذلك الشعب على علم بأن القاضى تدرب على الحيادية والنزاهة والشفافية، وإلا ما كان يطالب الشعب بالإشراف القضائى على الانتخابات، كأحد البراهين على ثقة الشعب بأكمله فى عمل القضاة، حتى ولو كان عملاً إدارياً كالإشراف على الانتخابات. أليس هذا ندباً.؟!. وهل هو عمل قضائى بحت.. كلا. على الإطلاق. ومن هنا نجد التناقض الشديد، فمن تعلو أصواتهم من غير القضاة بتعييب ندب القضاة لدى الوزارات والهيئات هم الذين يطالبون بإشراف القضاة على الانتخابات، وهؤلاء هم جهلة بطبيعة عمل القاضى، إذ إن مبرراتهم واهية لا قيمة لها.. فقولهم بأن القضاة المنتدبين يعملون لدى الوزير، هو قول عار من الصحة ويكشف عن فهم خاطئ لطبيعة عمل القاضى المنتدب.. كما أن مناهضة ندب القضاة بمقولة إنها تمثل سياسة الجزرة هو قول ينال من مقام قضاة مصر الشرفاء الذين عرفهم الشعب المصرى فى كل العصور، وفى الأزمات التى مر بها وكان فيها أهلاً للثقة ورمزاً للعدالة، فم يحملون أعباء الأمة وسدنة الحق والعدل، وكفانا اعتداء على سمعة شرف القضاة بهذه الأقوال.. ومع ذلك يجب أن يؤخذ فكر باقى القضاة الذين يعنيهم الأمر مأخذ الجد وهم دعاة التوحد وعدم التمييز بين بعضهم البعض، ويتعين على من يحملون على عاتقم وكاهلهم عبء تعديل قانون السلطة القضائية أن يراعوا الشعب عامة فى كل المصالح والجهات بقاض يفرض العدالة والنزاهة ويدعم أسس الشفافية من خلال القدرة على تفسير وتأويل القانون لما يحقق مقصد الشرع ويتجاوب مع احتياجات المواطن، وفى الوقت نفسه يجب تعويض من لم يتم انتدابه بتقرير بدل تفرغ، بالنسبة له يوازى ما يحصل عليه زميله المنتدب من مقابل الانتداب أو يقاربه على أن يحرم منه القاضى المنتدب طوال مدة انتدابه.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة