دائما كنت ألتفت إلى لحن أوبريت الليلة الكبيرة للرائع سيد مكاوى، وكانت كلمات صلاح جاهين مثيرة لعقلى، عندما كنت طفلا وخاصة الجزء الخاص «يا أم المطَّاهر رشى الملح سبع مرات لمقامه الطاهر رشى وإيدى سبع شمعات» ولم أكن أتصور على الإطلاق أن هذه الأغنية التراثية سوف تشكل إسقاطا واضحا على الحياة الساسية فى مصر تحت أى ظرف، فمن الواضح جليا أن الحاكم السياسى للبلاد، ممثلا فى المجلس العسكرى الأعلى يتعامل مع الشعب المصرى وممثليه من القوى السياسية، باعتبارهم طفله الحبيب الذى تتوجب عليه حمايته ونصحه وإرشاده، واعتبار أن هذا الطفل (الشعب) يصاب أحيانا بنوبة تخلف منغولى، فيبدأ بإيذاء نفسه، وهنا يتوجب على الأم الرؤوم (المجلس) أن تكبل يديه أحيانا أو تعاقبه أحيانا أخرى.
فى بادئ الأمر تم الترويج لأن المجلس العسكرى حاميا للثورة ومشاركا فيها، بالرغم من أنه لا علاقة له بالثورة من قريب أو بعيد سوى العمل على تأمين الشارع المصرى، ولم يكن مشاركا وإلا لما لم تتحرك قادته خلال الـ30 عاما الماضية بالرغم من أنهم ينتمون للمؤسسة المنضبطة والمنظمة والوطنية تاريخيا منذ الثورة العرابية، ومرورا بثورة يوليو. ثم بدأ الحديث عن كون ثورة يناير هى انتفاضة شعبية حولها المجلس العسكرى إلى ثورة بمشاركته فيها، علما بأنه لم يتحرك على المستوى المطلوب يوم الأربعاء الدامى (موقعة الجمل) وإلا لما سقط مئات الشهداء وآلاف المصابين، ودافع عنهم المصريون المدنيون البسطاء، وهو المشهد الذى تكرر يوم الثلاثاء الدامى (يوليو 2011).. وهذا لا يقلل مما قدمته المؤسسة العسكرية لهذا الوطن، ثم بدأ فى ترويج أن الاستفتاء على التعديل الدستورى، إنما هو استفتاء على قبول الشعب للمجلس العسكرى حاكما/وصيا على البلاد، وأخيرا بدأ ترويج أنه لولا المجلس العسكرى لما نجحت الثورة!! وهو ما يعطى انطباعا بأن الفعل الثورى كان مبتسرا أو غير فاعل حتى أتى المجلس لإنقاذ هؤلاء غير الناضجين (القوى الثورية) من مغبة أفعالهم الصبيانية التى قد تؤدى بالبلاد إلى كارثة محققة.
الثابت أن المجلس العسكرى هو صاحب الخبرة السياسية الأقصر والأقل بالمقارنة بالقوى الموجودة فى الشارع، وهذا بالطبع نظرا لطبيعة العمل العسكرى وبعده عن المعترك السياسى.
والأكيد أن الحاكم السياسى الحالى قد أغرته السياسة بتنوع ألوانها بالبقاء والمشاركة فيها، إلا أنه من غير المعقول أن يتصور أنه أم وأن الشعب أطفال، فتعقد المحاكمات، وتمنح البراءات لمن لا شرف لهم ولا ضمير، ويتوقع منا أن نتفرج ونمر على الأمر مرور الكرام، أو يحاول تصوير الأمر على أنه لم تثبت الإدانة ولا نملك قوانين للمحاكمة بتهمة الفساد السياسى!! فيبدو الأمر أشبه بأم تطاهر ابنها طهورا جائرا فتفقده قدرته على الإنجاب أو حتى.. الفعل الثورى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة