استبشرنا خيرا مع الدعوات التى انطلقت على مدار الأسبوع الماضى من مختلف القوى السياسية، للخروج فى مظاهرات مليونية، تحت شعارات كلها إيجابية، وتمنينا أن تكتمل الحكاية على خير حسبما أعلنت بعض القوى السياسية باستمرار التنسيق الكامل خلال المرحلة المقبلة بما فى ذلك أثناء الانتخابات البرلمانية.
استبشرنا بشعارات مثل "جمعة لم الشمل" و"جمعة الإرادة الشعبية" و"جمعة الهوية" و"جمعة الأمن والاستقرار" و"جمعة الوحدة الوطنية" و"جمعة توحيد الصف"، إلى آخر هذه الشعارات الجميلة التى تجمع ولا تفرق، لكننا كنا مثل النائم الذى استيقظ فجأة على سيل من الماء البارد ينهمر على رأسه، وبدلا من التوحد ظهر الانقسام واضحا جليا، وعوضا عن "لم الشمل" كشف الاستقطاب الدينى عن وجهه للمرة الثانية بعد موقعة الصناديق الشهيرة فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية.
وحتى لا يتطوع أحد بالاتهامات المجانية عن معادة الإسلاميين على أسس فكرية أو أيديوولوجية، أقول إن أغلى أمنياتى خلال هذه المرحلة أن نصل جميعا أيا كانت اختلافاتنا إلى نوع من التوافق القائم على ثوابت لا يتجاوزها أى فصيل أو حركة أو حزب سياسى، وفى مقدمة هذه الثوابت سيادة القانون والمساواة الكاملة لجميع المصريين والحفاظ على كافة الحقوق الإنسانية للمصريين، وفى القلب منها الحق فى الاختلاف وحرية الرأى والتعبير والاعتقاد.
قد يأتى من يقول إن التيارات الدينية التى خرجت اليوم للإعلان عن نفسها فى ميدان التحرير، لماذا تصادر على حريتها فى الإعلان عن نفسها بشعاراتها وتوجهاتها التى تميزها؟ أقول إن المشهد الذى يبدأ بالتطاول على العلم الوطنى، وتغيير هويته باستخدام مفردات أعلام دول أخرى هو نوع من الاعتداء على السيادة الوطنية، يعكس عدم الوعى بضرورة الحفاظ على هويتنا ورموز سيادتنا، أقول إن الحشد الكبير الذى يبدأ تحت شعار التوافق ثم يغير مساره إلى نوع من النفى والإقصاء للتيارات الأخرى، وصولا إلى توزيع المنشورات التى تسخر منهم، يعنى إطلاق الرصاص على أمل "لم الشمل" الشعار الذى كنا نتوقع أن يصبح خارطة طريق خلال المرحلة المقبلة، وأن نفوت الفرصة على القوى التى تتمنى مصر منقسمة على نفسها وفى حالة فوضى، أقول إن انسحاب 32 حركة سياسية وحزبا من التحرير بعد نزوع القوى الإسلامية التركيز على ما هو مختلف والتغاضى عن المشتركات مع القوى الأخرى، مؤشر سىء لما يمكن أن يحدث خلال المرحلة المقبلة فى الانتخابات البرلمانية وما بعدها.
أنصار التيارات الدينية اليوم معجبون بكثرتهم وقدرتهم على الحشد فى الميادين، لكنى أقول لهم انتظروا وانظروا، انتظروا حتى يهدأ الغبار فى هذه المرحلة الانتقالية وحتى يعيد الناس ترتيب أولوياتهم، وانظروا إلى الانقسامات حولكم وبسببكم ولا تستخفوا بها، وانظروا إلى تجارب الدول فى المراحل الانتقالية، ولا تذهبوا بعيدا، يكفى أن تنظروا متدبرين تجربة بلدكم بعد ثورة 1952، "أم على قلوب أقفالها"؟ صدق الله العظيم
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة