عندما أراد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أن يعيد بناء الجيش المصرى بعد نكسة 67 لم يستغرق فى البحث عن وزير يدير منظومة القوات المسلحة، فقد كان يعلم أن المهمة لن يصلح لها وزير مهما كانت سماته الشخصية، وإنما تحتاج قائداً له مكانته ويجيد فنون الشحن المعنوى وتغيير "مود" العسكريين، قائد قادر على تحفيز من انكسرت إرادتهم فى النكسة على العودة أقوى مما كانوا، فاختار الفريق محمد فوزى الذى قام بالمهمة ووضع أولى لبنات عودة الجيش إلى كرامته واسترداد هيبته، وفى الوقت الراهن وفى محاولة من الإدارة الأمريكية لتطييب جراح جهاز الاستخبارات الأمريكية المصاب بالعديد من الأزمات التى عرضت سمعته للانهيار اختارت الإدارة لقيادتها فى الفترة القادمة الجنرال باتريوس قائد القوات الأمريكية فى أفغانستان، لأنه يتمتع بصفات القائد المتمكن الواثق الذى يمتلك مهارات خاصة فى التعامل النفسى واستعادة الروح القتالية والقدرة على التخطيط السريع لانجاز المهام.
وفى مصر الآن ما زلنا نبحث عن أفضل الاختيارات لاستعادة هيبة ومكانة جهاز الشرطة دون جدوى، والسبب الحقيقى هو أننا ما زلنا نتحدث عن وزير للداخلية، بينما العودة تحتاج إلى قائد، لا نختلف على شخص الوزير المحترم وصاحب الملف ناصع البياض اللواء منصور العيسوى، لكنه ليس الرجل المناسب الآن لقيادة جهاز الشرطة، الذى يحتاج إلى قائد يعرفه المواطنون وكل من ينتمى إلى الشرطة، قائد يتمتع بقدرات أمنية يحترمها المنتمون لجهاز الشرطة وفى الوقت نفسه لديه من الرصيد الشخصى ما يطمئن المواطنين أن العود أحمد بلا إهانات ولا تجاوزات ولا تعذيب ولا تلفيق.
جهاز الشرطة الآن يحتاج قائد يأخذ بيد رجاله إلى الشارع، قادر على إبرام صلح عملى وميدانى بينهم وبين المواطن، الوزير لن ينجح فى إعادة الأمن إلى الشارع، لأنه لن يكسر الحاجز النفسى الذى بنى من الفولاذ بين رجال الشرطة ورجل الشارع بعد ثورة 25 يناير، ولن يكسر هذا الحاجز سوى قائد يأتى من داخل الجهاز يده لم تلوث بالفساد، وسمعته لم تطالها شائبة، القائد المطلوب للداخلية الآن يعرف كيف يخاطب ضباطه وجنوده نفسياً ومعنوياً، وكيف يعيد إليهم الثقة فى أنفسهم وفى الناس وكيف يبنى بداخلهم قناعات جديدة بالمهمة الحقيقية لرجل الأمن الذى يحمى المواطن ولا يعتدى عليه، قائد لدية من القدرات النفسية والإمكانيات الشخصية ما يمكنه من عبور الأزمة دون جراح جديدة، قائد يحتمى به رجال الشرطة مثلما يحتمى به المواطن العادى فى بيته وعمله وشارعه، قائد لا يخاف اللوم فى تطبيق القانون، ولا ينكسر أما ضغوط ومساومات، ولا يرضخ لمطالب استفزازية، قائد يحاسب كما يكافئ، يضخ فى عروق رجاله القوة المطلوبة لردع الخارجين، لا يتجاوزون الشرعية وفى الوقت نفسه لا يتهاونون فى مواجهة الخارجين والبلطجية.
مع القائد ستعود الشرطة إلى الشارع سريعاً، سترفع رأسها من جديد بثوب مختلف يقبله الناس، أما الإصرار على الوزير فقط فلن يفيد، وعلينا الآن أن نبحث عن القائد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة