59 عامًا تفصل بين أهم ثورتين فى مصر، بل فى العالم العربى، ثورة 23 يوليو 1952 والتى نحتفل بها هذه الأيام، وثورة 25 يناير، والمدهش أننا برغم مرور هذه السنوات الطويلة.. لا نزال نناقش أغلب المفاهيم التى كنا نناقشها منذ بدايات الثورة الأولى.. وهذه ظاهرة تدعو للقلق، وليس العكس، فمهما كانت الأزمات فليس من المعقول أن تحتمل كل هذا الوقت.. ولا تجد حلاّ.
بل إن الأزمة الكبرى أن مرور الوقت الطويل بدون حلول واضحة، ومع استمرار ضبابية الرؤية.. فإننا نجد أنفسنا أمام مشاكل تتراكم، ولا يحتويها السياسيون وجموع الشعب، بل هى تصبح، على مدى السنوات، قنابل موقوتة.. والمعروف أن ثورة يوليو كانت قد حددت ستة أهداف واضحة لكى يتم تحقيقها، واحدًا بعد الآخر، خلال ثلاث سنوات، ولكن يشاء القدر أن تنشغل مصر فى حروب متعاقبة، وبدلًا من أن ننشغل بتحقيق هذه المطالب الشعبية صرنا مشغولين بتضميد جراحنا، وملاحقة آثار الحروب، والمتابع لهذه السنوات التى أعقبت ثورة يوليو يعرف بسهولة مدى انحرافنا كشعب عن أغلب المبادئ الستة وابتعادنا عنها، وهو ما جعلنا نستثمر الأوهام.. فأهم مطلب من هذه المبادئ كان: إقامة حياة ديمقراطية سليمة.
وإذا بنا نعيش حياة لا تعرف هذا المبدأ، لأن سنوات الحروب جعلت البلد تنكمش تحت الديكتاتورية، وتفرض الرقابة على الصحافة، ويتراجع الإعلام، وهكذا ترنحت الديمقراطية، حتى وصلنا - ونحن نستقبل الألفية الثالثة - إلى مرحلة متخلفة جدّا فى الديمقراطية، وتبقى مشاكلنا كما هى خلال هذه السنوات.. فنجد أن المستوى الاجتماعى لم يتغير، ولم يتطور كذلك المستوى الاقتصادى، وتراجع مؤشر البورصة لأكثر من معدلها الطبيعى، وفى المقابل ازدادت جداول الديون، حتى أنها أصبحت تهدد الأجيال القادمة.. ومن بين أهم أهداف ثورة يوليو 1952 إذابة الفوارق بين الطبقات.. وهو من الأهداف التى فشلت أيضًا، فبدلًا من إذابة الفوارق اتسعت الهوة بين الأغنياء والفقراء.. ولم تفلح الثورة فى حل هذه القضية.. اليوم - وفى ظل ثورة يناير 2011 - لابد أن نكون يقظين؛ حتى لا تتكرر مأساتنا فى ثورة 1952، خاصة أن مطالبنا اليوم كثيرة، حيث شملت أغلب المطالب التى نادينا بها منذ 59 عامًا، والتى لم تنفذ، إلى جانب مطالب أخرى استجدت وأصبحت مدعاة لسرعة التنفيذ.. اليوم نطالب بالديمقراطية أيضًا، ونطالب بإذابة الفوارق بين الطبقات، وتحسين الأجور.. وزاد على ذلك المطالب الفئوية.. نحن لم نستفد من ثورة 1952، ولم نستطع تجاوزها، وأيّا كانت المبررات فلابد أن نعترف وأن نقر بأن السنوات التسع والخمسين عبرت فوق رؤوسنا دون أن نستمد من قيم الثورة شيئًا.. بل إننا اليوم ونحن نطالب بإنشاء ميثاق تقوم عليه الدولة أو الدستور إنما لا نزال نتخبط فى أهم مواده.. ولم ننشئ فصول الدستور الجديد حتى الآن.. فكل الدساتير التى أعقبت الثورة - فى 1952 - كانت وكأنها محفوظات للدستور الجديد.. معنى ذلك أننا تراجعنا أيضًا فى إنشاء الدستور الجديد.. لأننا لم نكن جادّين فى الدستور السابق.. هذه قضايا نضعها أمام شبابنا، وأمام الثوار الذين يصرون على التظاهر فى الميادين، بدلًا من العمل واللحاق بإصلاح أحوالنا قبل أن تصبح ثوراتنا مجرد حركات تحررية بلا عائد.. أو مجرد حبر على ورق. أو مجرد انفعالات وشعارات تبقى فقط فوق جدران المبانى والمؤسسات وليست فى عقولها وعقول الأجيال الجديدة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة