بدأها بلطجية وانضم اليهم بعض الأهالى المشحونين ضد ميدان التحرير وأهله، والغاضبين من عجرفة وغرور شباب ائتلافات الثورة وتعاليهم ومعايرتهم للأغلبية الصامتة بحدوتة «حزب الكنبة».. هذا هو التوصيف الحقيقى للاشتباكات التى دارت فى ميدان العباسية مساء السبت، وأعتقد أن ميدان «العباسية» الذى يوازى الجنون فى الخيال الشعبى المصرى وارتبط بالأمراض النفسية فى مخيلة كل مصرى، كان هو الأنسب ليكون الموطن الأصلى لتلك الاشتباكات المجنونة.
لا تصدق أحدهم إذا أخبرك بغير ذلك، إذا حاول أن يروج أن الأهالى بدأوا فى الاشتباك مع شباب المسيرة دون تحريض من بلطجية محترفين، ولا تصدق آخرين إذا حاولوا أن يقنعوك بأن المسيرة كانت طاهرة وبريئة، لأن بعض الشخصيات والأصوات نجحت فى تلويثها لكى تقدم للكاميرات وللناس فى البيوت صورة أخرى مشوهة للشباب المتحمس فى ميدان التحرير وغيره من ميادين مصر.
الدعوة لمسيرة من هذا النوع فى حد ذاتها دعوة خبيثة، لأنها تعلم أن صداما ما سيحدث، وأن القوات المسلحة لن تدع أحدا يقترب من وزارة الدفاع، وأن الملل الناتج عن منع المرور والانتظار فى ميدان العباسية، سيخلق بعض المناوشات التى لن تحتاج سوى لقليل من بنزين البلطجية، لتشتعل نارا كما حدث بالأمس.
ليس فى الأمر أدنى أشك أن أحداث العباسية حتى وإن اختلف تفسيرها، وفشلنا فى تحديد نسبة مشاركة الأهالى فى المعركة، تعبر بشكل أو بآخر عن حالة الانقسام التى نعيشها، وتكشف بوضوح الصورة التى لا تريد الحركات السياسية والائتلافات الثورية الاعتراف بها.. حقيقة أن ميدان التحرير بدأ يفقد الدعم الشعبى الذى حظى به فى بداية ثورة 25 يناير، والأسباب هنا متعددة ومختلفة، تبدأ بإعلام لم تطرق الثورة بابه، اعتاد منافقة السلطة، فقرر أن ينافق المجلس العسكرى، ويشحن الناس ضد الميدان الذى يقلق السادة فى المجلس، ويصيبهم بالصداع، وتمر بمجلس عسكرى مرتبك غير قادر على صياغة بيانات تخاطب عقول الناس وقلوبهم، وتنتهى بائتلافات مزيفة وشباب لا يزور الخجل وجوههم، وهم يعايرون الناس فى البيوت بالثورة، وكأنهم أشعلوها من أجلهم، وهى بالمناسبة نفس طريقة مبارك حينما كان يعاير الشعب بربع كيلو الاستقرار، ومجموعة الكبارى التى اعتبرها بنية أساسية.
وبمناسبة شباب الثورة دعنى أصدمك وأخبرك بأن أحمد ماهر رئيس حركة 6 أبريل التى خرجت المسيرة من أجل رد اعتبارها، ورد تخوينها، كان جالسا فى منزله فى الوقت الذى كانت دماء المعركة تفيض على أرض العباسية، وحينما سأله خيرى رمضان فى برنامج «ممكن» على الهواء مباشرة، إيه أخبار اللى بيحصل فى العباسية ياأستاذ أحمد، رد متلعثما أنا مش موجود هناك، أنا فى البيت لظروف خاصة؟، أى ظروف خاصة التى تمنع قائدا من أن يكون وسط إخوانه فى أرض المعركة؟، هى نفس الحلقات المفرغة، سنعود لندور فيها، ونؤكد أن أغلب الذين يتحدثون عن الثورة وباسمها مجرد لصوص، وأن الذين دفعوا الثمن من دمهم ومستقبلهم هم الغلابة، ولكم العبرة فى الشاب الذى تصدى لمدرعة الأمن المركزى فى شارع قصر العينى، وفضل أن يبقى مجهولا، ورفض إغراءات الكاميرات، وفضل أن يجعل نضاله لوجه الله والوطن، لا من أجل الكاميرات وتمويلات المشروعات الحقوقية.
عموما ما حدث فى العباسية.. لا يمكن أن يكون خطأ ميدان التحرير وحده، ما حدث فى ميدان التحرير، خطأ نخبة فاسدة، ومجلس عسكرى لا يريد لتلك الثورة أن تجرى فى مجراها الطبيعى، خطأ وطن بأكمله، انتظر حتى استشرى سرطان الفساد والجهل فى جسده، ثم انتفض ليبدأ العلاج، فخيلوا له أنه قد برأ من المرض، فتوقف عن التداوى، لتصيبه تلك الانتكاسة التى نعيشها الآن.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة