دعك من أن حيثيات الهجوم على منظمات المجتمع المدنى، هى ذاتها حيثيات النظام السابق، فليس كل ما كان يفعله مبارك ضلالاً، فمن المؤكد أن له حسناته، حتى لو كانت قليلة.
لكن فيما يتعلق بالتمويل الأجنبى، ففى الحقيقة هناك كثير من الضلال قبل وبعد ثورة اللوتس، أولها هذا الإنكار للدور الذى لعبته على امتداد سنوات طويلة، وفى ظروف غاية فى الصعوبة. بل ودخلت كما يعلم الجميع صراعاً مريراً مع أجهزة أمنية عاتية، ومع نظام كان يتهمهم دوماً بالعمالة والخيانة. وهذا طبيعى لأن الصراع الأساسى وقتها كان مع هذه السلطة التى تهيمن على الدولة، وترفض رفضاً قاطعاً احترام حقوق الإنسان واحترام الحريات العامة والفردية، ووقف جرائم ضد الإنسانية مثل التعذيب.
هل هذا يعنى أن كل هذه المنظمات وكل العاملين فيها من الملائكة؟
بالطبع لا، فهم مثلهم مثل كل فئات المجتمع، فيهم الشريف وفيهم غير الشريف. لذلك من الظلم البين أن نحكم على كل معارضى مبارك بأنهم خونة وعملاء، لأن بعضهم كان يتلقى تمويلات سرية من أنظمة حكم مثل صدام حسين أو معمر القذافى والسعودية وإيران. فالأحكام الإجمالية جريمة لا يجب أن نقع فيها، فهؤلاء المعارضون للنظام السابق دفعوا ثمناً غالياً ومهدوا الأرض لما نحن فيه الآن.
الأمر الثانى أن الشفافية مطلوبة، بل وضرورية، ليس فقط فيما يتعلق بالتمويلات من الشرق أو الغرب، ولكن أيضاً بأوجه إنفاقها. الشفافية هنا لا يكفى فيها أن المؤسسات الأمريكية والغربية ميزانيتها معلنة على شبكة الإنترنت، بل أدعو كل المنظمات أن تعلن هذه الميزانيات وأوجه إنفاقها على مواقعها الإلكترونية.
وهذا يتسق مع مطالبات كثيرة للإخوان والسلفيين والأحزاب، وكل الذين يشاركون فى العمل العام بأن يعلنوا مصادر تمويلهم، ولا يكتفوا بكلام مرسل من نوع "أنها أموال الأعضاء". ومطالبات أخرى بأن تكون كل ميزانيات الدولة معلنة سواء لكل الناس أو لجان برلمانية، مثل مؤسسة الرئاسة أو غيرها. فمن حق المجتمع أن يعرف كل شىء، وهذه ليست رقابة سابقة على العمل العام كما يريد البعض، وكما كان يتمنى نظام مبارك، ولكنها رقابة لاحقة، فمن يرى أن هناك سرقات فى الميزانيات أو عملا ضد البلد، عليه أن يتوجه فوراً للقضاء.
فالإخفاء، رغم رفضى له، كان مفهوماً قبل ثورة اللوتس، أما بعدها فهو جريمة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة