من غير الصحيح القول إن مظاهرات 8 يوليو والاعتصام هى الموجة الثانية للثورة المصرية، بل الأدق أنها الموجة الرابعة، فالموجة الأولى أطلقت شرارة الثورة، وأطاحت بالرئيس مبارك فى 18 يوما، وكانت بلا شك الأضخم والأكثر قوة وانتشارا، أما الموجة الثانية فجاءت فى أبريل ومايو من خلال جمعة إنقاذ الثورة، وجمعة محاكمة مبارك وأعوانه، وجمعة الوحدة الوطنية، ثم كانت الموجة الثالثة فى 27 مايو الماضى بجمعة الغضب الثانية - قاطعها الإخوان والسلفيون - وأخيرا جاءت الموجة الرابعة التى نعيشها الآن، وبلغت ذروتها فى 8 يوليو، وقد اتسمت بقوة واتساع المشاركة الجماهيرية، وعمق التأثير.
توالى موجات الثورة يعنى الاستمرارية، وقدرة شباب الثورة، وقطاعات واسعة من الجماهير،على الحفاظ على زخم وقوة دفع الثورة، والأهم خلق حالة من التوازن بين الثورة والسلطة، فالثورة الجماهيرية السلمية التى انطلقت ولا تزال بدون قيادة، لم تصل للسلطة أو تمثل فيها، بينما حاز المجلس العسكرى ووزارة شرف السلطة، وقد حدثت فجوات، وحالة من عدم الثقة بين جماهير الثورة، والحكم الجديد. من هنا كان من الضرورى موازنة سلطة المجلس العسكرى بقدرة الجماهير على الثورة المستمرة، والضغط عبر آليات وأساليب سلمية، لا عنفية، من أجل المشاركة فى اتخاذ القرار، وتحقيق أهداف الثورة.
وللإنصاف، لم تكن موجات الثورة متماثلة فى طبيعتها أو قوتها، وبالتالى قدرتها على تحقيق النتائج والأهداف، فالموجة الأولى حازت إجماعا وطنيا عاما، وشكلت الملامح الأساسية للثورة من حيث الطابع السلمى، والتحالف مع الجيش والمجلس العسكرى، بينما تراجع الإجماع الوطنى عن الموجتين الثانية والثالثة، وبرز على السطح الاختلاف والاستقطاب بين جماعات الإسلام السياسى، وجماعات الدولة المدنية، وجاءت الموجة الرابعة والأخيرة على خلفية هذا الاستقطاب – حاولت تجاوزه - إضافة لتراجع الثقة فى المجلس العسكرى، وحكومة شرف، وظهور اتجاهات وممارسات تتعارض مع الطابع السلمى لثورتنا، وتبتعد عن قطاعات واسعة من الشارع، ممن يرفضون قطع الطرق وإغلاق الميادين، والتهديد بتعطيل قناة السويس.
التباعد بين الموجة الرابعة للثورة، وقطاعات واسعة من الشارع، اتسع بشكل ملحوظ نتيجة: أولا: الإعلان عن تحقيق أغلب مطالب المعتصمين، وثانيا: عدم قدرة الثوار على التواصل معهم، وإقناعهم بجدوى التظاهر والاعتصام لتحقيق بقية أهداف الثورة، وأن عدم الاستقرار الحقيقى، وتعطل عجلة الإنتاج كانا بسبب بطء الحكم الجديد، والاكتفاء بإصلاحات محدودة تتناقض ومفهوم الثورة ومتطلباتها فى ضرورة تغيير مؤسسات الدولة والمجتمع، وثالثا: ظهور خلافات بين المعتصمين أنفسهم بشأن أساليب تحقيق بقية أهداف الثورة.
ومن الطبيعى، وربما من المطلوب، أن تظهر اختلافات بين الثوار تتطلب مزيدا من الحوار والتفاوض بينهم لصياغة مطالب توافقية، لكن المصريين البسطاء - أبعدهم مبارك وجماعات الإسلام السياسى عن الممارسة السياسية - غير قادرين على التعامل بشكل إيجابى مع اختلافات الثوار، ودعوة عدد منهم للتصعيد والصدام مع المجلس العسكرى، الأمر الذى يزيد من مخاوفهم ، ويباعد بين مواقفهم وموقف الثوار، لاسيما أن جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين الذين خرجوا خاسرين من الموجة الثورية الرابعة – عكس الموجة الأولى - يضغطون فى اتجاه تعميق الفجوة بين الثوار والشارع، ومن خلال إلقاء التهم، والتشكيك فى مواقف الثوار الداعين لاستمرار الاعتصام لحين تنفيذ كل المطالب.
من هنا تبدو ضرورة أن يعمل الثوار وبسرعة ووعى للحفاظ على قوة واستمرارية الموجة الرابعة من خلال:
- التوافق على نقاط واضحة بشأن تنفيذ بقية مطالب الثورة، فى إطار جدول زمنى محدد.
- الحوار مع المجلس العسكرى والحكومة للاتفاق على خطوات التنفيذ، والحصول على وعود وضمانات محددة.
- التوافق على توقيت وشكل إنهاء المظاهرات والاعتصامات، لأنه من الأفضل للثورة ولقدرتها على الاستمرار فى المستقبل أن يتفق الثوار ويعلنوا عن إجراءات لوقف التظاهر والاعتصام بدلا من أن تتآكل تدريجيا قدرة وقوة الثوار على الاستمرار، كما حدث فى الموجتين الثانية والثالثة من الثورة.
- إقامة آليات مؤسسية للحوار المجتمعى، والدفاع عن الثورة وتحقيق أهدافها لحين إجراء الانتخابات، ومن المهم ألا نكرر أخطاء لجنتى حجازى والجمل. من هنا ضرورة أن تتولى شخصيات مستقلة عن المجلس العسكرى والحكومة تشكيل وقيادة هذه الآليات، وتنظيم الحوار المجتمعى الذى لابد أن يشارك فيه ممثلون عن المجلس العسكرى مع ممثلين عن الأحزاب وشباب الثورة والمجتمع المدنى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة