فى شهر فبراير أبكى هذا الرجل المصريين بحركة يد، وتحولت صورته إلى أيقونة فى الشوارع والفيس بوك والصحف والفضائيات.
كان الأمر تلقائيا وبسيطا، ولم يشكل سوى تحية عسكرية، رفع اللواء الفنجرى يده وأداها احتراما وإجلالا لأسر الشهداء. فى هذا الوقت من شهر فبراير، وعقب تنحى مبارك، كانت العلاقة بين الجيش والشعب مازالت فى خانة اليد الواحدة، وربما كان لذلك سبب فى التأثر الشديد بتحية اللواء العسكرى للشهداء المدنيين.
وبعد خمسة أشهر تحركت خلالها العلاقة بين المجلس العسكرى والشعب من خانة الأمل و«الإيد الواحدة» إلى خانة الفتور والحيرة، تحول نفس الرجل العسكرى من خانة التقدير والإعزاز إلى حيث المنطقة التى يتحول فيها كل شىء، إلى مادة للسخرية.
كان اللواء الفنجرى منفعلا وهو يلقى بيان المجلس العسكرى الأخير، وكان انفعاله فى غير محله، كان انفعالا مصحوبا بغضب حول رسائل الحسم والجدية إلى أجواء تهديد، وجعل من البيان الذى أراده الناس كاشفا وواضحا ومرشدا إلى ما يحدث، وما سوف يحدث، غامضا ومريبا. وردا على التهديد الذى ظهر، وعلى الانفعال الذى اتضح، زاد الغضب فى الميدان، وتضاعف الانتقام على صفحات الإنترنت بهذا الكم الرهيب من النكت والإفيهات ومحاولات السخرية التى طالت الرجل دون ذنب، وتحولت حركة إصبعه إلى نكتة، ونبرة صوته إلى «إفيه»، فى مزايدة أعادت إلى الأذهان قصة «الراجل اللى واقف وراء عمر سليمان».
أخطأ اللواء الفنجرى بانفعاله، وأخطأ المجلس العسكرى بسوء تقديره فى اختيار نوع وشكل وطريقة إلقاء البيان، ولكنّ المصريين أيضا أو بعضهم سقطوا فى مستنقع الخطأ، وهرولوا نحو «الإفيه» على جثة رجل من أبطال هذا الوطن وحروبه.
فى الأمر حالة من السخافة الواضحة، والتجنى على رجل لا يعرف واحد من هؤلاء الذين سخروا منه مقدار التضحيات التى قدمها لمصر محاربا وقائدا. حالة من الغطرسة والتعالى على رجل كان يقوم بأداء عمله، وكل أزمته أنه فشل فى السيطرة على ملامحه وانفعالاته، حالة من السخرية التى تصل إلى حد الاستهزاء، مثلها مثل الحالة التى كان النظام السابق يتعامل معنا بها، وكأننا نحاول الانتقام من كل رجال النظام، أو رد صاع ما فعله بنا النظام على مدى الثلاثين عاما الأخيرة صاعين أو أكثر، دون أن نحاسب أنفسنا، ونعترف بأننا أيضا مسؤولون بصمتنا وصبرنا الطويل على ما وصلنا إليه، ولا يصح أن ننتقم من كل هذه السنوات فى شخص هذا الرجل الذى ستظل حالة السخرية منه تمثل النقطة السوداء فى ثوب الثورة الشابة الأبيض.
أمر غريب أن يستمر سيل السخرية من اللواء الفنجرى، دون أن يراعى أحد أن النكتة هنا ليست عن لص أو ممثل هزلى أو حتى وزير نهب الأراضى، أو رجل أعمال نهب البنوك، ولذلك فهو يستحق اعتذارا واضحا وصريحا دعونى أقدمه له نيابة عنكم، ودعونى أحذركم من السقوط فى ذلك الفخ الصعب.. فخ التحول إلى صورة أخرى من النظام السابق، نسخر ونُبكى الآخرين ونفرح على جثث أبرياء، نعيش على قفا غيرنا، نفقد روح المسؤولية ولا نحاسب أنفسنا على أفعالنا، مثلما كان يفعل الرئيس المخلوع حسنى مبارك تماما.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة