.. الذين تدعونا الديمقراطية إلى الاعتراف بحقهم فى التعبير عن أفكارهم مهما اختلفنا معهم، وأن نحترم دعوتهم حتى لو كانت تدعو إلى إيقاف العقل اكتفاء «بالنقل» عمن نظنهم معصومين، وأن نتجادل معهم بالحسنى حتى لو ظنوا أنهم محتكرو الحقيقة المطلقة.
هناك فقط شرط وحيد.. أن يحتكم الجميع إلى قاعدة واحدة، فلا يمكن أن يلعب فريق كرة قدم مع فريق آخر يلعب بقواعد كرة الماء، لابد من توحيد القواعد حتى فى المعارك «الشريفة» ولذلك حرّمت الإنسانية أنواعا من الأسلحة ومازالت تحاول أن تضع معايير لشرف الجندية مهما تنوعت المقاصد، وقاعدة الديمقراطية واضحة لا لبس فيها: الرأى للناس.. ورأى الناس نسبى يتجدد بتغير الأحوال.. الجميع متساوون أمام قانون واحد صنعه الناس بأنفسهم لا فرق فيه بين رجل وامرأة، ولا بين مسلم ومسيحى ويهودى، قانون يصون حق البشر جميعا فى حياة كريمة حرة هى مقصد كل الأديان وكل الرسالات السامية، استخلفنا الله فى أرضه وحبانا نعمة العقل لكى ندير شؤون دنيانا، معتصمين بقواعد كلية أوحى بها إلى رسله، وطلب منا إعمال عقولنا فيما دون ذلك، لأن العقل مناط التكليف ومبرر الحساب بعد زوال الكون.. العقل الذى يراد لنا الآن أن نهجره تماما اكتفاء بعقول السلف. وأن نضبطه على إيقاع أربعة عشر قرنا مضت بخيرها وشرورها.
الآن يريد السلفيون فى مصر أن يقنعونا بأنهم أصبحوا فجأه من دعاة الديمقراطية.. بل إنهم أصل الديمقراطية.. والناس فى بلدنا طيبون سريعو النسيان حتى للماضى القريب:
1 - ألم يكونوا حتى عهد قريب يكفرون الجميع، وينظمون أنفسهم للانقضاض على المجتمع، وفرض أفكارهم بقوة السلاح، ويدعون إلى استئصال الآخرين حتى لو كانوا «إخوانا مسلمين»؟
2 - ألم يخرجوا أثناء ثورتنا العظيمة «ينعمون الآن بأجواء الحرية التى أفرزتها» مطالبين بالقضاء على الثوار والخضوع للحاكم حتى لو كان فاسقا ظالما؟
3 - ألم يعبروا عن أفكارهم «حتى قبل أن يتمكنوا من مصر، بحرق الكنائس وهدم الأضرحة وإشعال الفتنة بين أبناء الوطن الواحد صارخين واكميلياه.. ولم يتوقفوا إلا عند الهزيمة فى غزوة «عبير» التى اكتشف الناس تزويرها وهجرها لأطفالها من أجل عشق خائب، ومحاولة يائسة لتلصق نفسها بدين عظيم يعف عن قطع الأرحام والخيانة والاستهانة بالأعراض؟ بالمناسبة لم يعتذر أحد عن كل الحرائق ولا عن دماء الشهداء من أقباط ومسلمين.
4 - ألم يستغلوا الديمقراطية أبشع استغلال بالحديث عن حرية ارتداء النقاب، متناسين حق مجتمع كامل فى ألا يسير فى شوارع نصفها من الملثمين لا نعرف شيئا عن مقاصدهم من وراء اللثام؟
5 - ألا يحق لنا أن نسألهم هل يتساوى صوت المرأة فى الانتخابات مع صوت الرجل؟ أليست المرأة عندكم نصف رجل؟ أم أن أفكاركم قد تغيرت؟ أم هى التقية حتى «تركبوا» بالديمقراطية، بعدها تعود المرأة جارية فى بيت زوجها وتنتهى «اللعبة» الديمقراطية تماما مثلما أعلن ذلك صراحة «عباس مدنى» ليلة نصره المرتقب فى الجزائر: غدا نهاية الديمقراطية، ليبدأ حكم الله.. وطبعا هم فقط المفسرون لكلام الله والحاكمون بأمر الله والمحتكرون للحقيقة كلها.
6 - ألم يصادروا - قبل أن يتمكنوا - حق الناس فى مناقشة أفكارهم «العميقة»؟ مستكثرين على العامة من أمثالنا، الحديث فيما يزعمون تخصصهم فيه، ضاربين مثلا لا يليق بأن غير الأطباء غير مسموح لهم بممارسة الطب، يدعون إلى كهنوت جديد يمتلكون هم فقط أسراره مخالفين فى ذلك كل قواعد دين عظيم نهى عن الكهنوت وعن دولة رجال الفقه، ومتجاهلين تماماً قول عمر بن الخطاب لامرأة من العوام جادلته أمام الناس بقولته الخالدة: أصابت امرأة وأخطأ عمر؟
إن عداء السلفيين للديمقراطية ليس فى حاجة إلى إثبات، وأمامهم- لكى يقنعونا بالعكس- أن ينزلوا إلى أرض الواقع، ويعلنوا صراحة خطابا جديدا واعترافا بكل ما ارتكبوا من جرائم فى حق الله والوطن.. خطاب لا يرهب الآخرين ولا يكفّرهم ولا يستأصلهم، والأهم من كل ذلك أن يكون خطابا ينبع من واقعنا، ومن عقول «تفكر» ولا تكتفى بأن سلفهم قد فكروا بالنيابة عنا جميعا حتى قيام الساعة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة