مجدى أحمد على

عن السلف «الصالح»

الأربعاء، 22 يونيو 2011 03:48 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بعد استثناء الرسول «عليه الصلاة والسلام».. لا تدل الكلمة تحديداً على معنى محدد.. هل المقصود الصحابة أم الصحابة والتابعون أم تابعو التابعين.. هل المقصود الخلافة «الراشدة» أم كل من تولى الخلافة، ابتداء من معاوية مهندس «التوريث» الأعظم والملك العضوض، هل المقصود الخليفة عثمان بن عفان الذى قال للصحابة الأجلاء الذين حاولوا إقناعه بالتنحى صيانة لدماء المسلمين: «كيف أخلع قميصا سربلنيه الله»؟ أم المقصود الذين حكموا بالعدل فترات خاطفة من التاريخ الإسلامى، كعمر بن الخطاب وعمر بن عبدالعزيز، وهل سنأخذ عن عمر قسوته فى الحق حتى على ابنه، أم نأخذ عنه جرأته على النصوص من أجل «المصالح المرسلة» كوقف حد السرقة فى عام الرمادة والوقف النهائى لسهم «المؤلفة قلوبهم» رغم صراحة النص وجريان السنة القريبة.. هل هناك قائمة «بالسلف الصالح» قابلة للمناقشة أم أن المقصود أن تبقى الكلمة غامضة مبهمة، محملة بالحنين إلى ماض يحلو لنا أن نتصوره مزدهراً مفعما بالقوة والتمكين بلا عيوب ولا خطايا.. وما معنى أصلاً اللجوء إلى «السلف» فى قضايا «الخلف» هل هو تسليم بعجزنا جميعا عن التفكير فى حلول لما يواجهنا من مشاكل مستحدثة؟ أم هو إقرار بأنه «لا جديد فى هذا العالم» وأن الدنيا تدور دورتها المكررة وكل الكلام قد قيل وكل الأفكار قد انتهت، وما علينا إلا اجترار أفكار «السلف» ومحاولة «لى عنقها» لكى «تركب» على أوضاع تتجدد كل ثانية فى مجتمعات متباينة الثقافة والتاريخ والجغرافيا، لماذا هم أفضل منا؟ وفى أى شىء؟ وما معنى أن يقول عليه الصلاة والسلام لمن عادوا إليه بعد فشل تأبير النخل على الطريقة التى اقترحها: أنتم أعلم بشؤون دنياكم بعد أن قال قولته الخالدة: «إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلىّ» أى أن الوحى الإلهى فقط هو ما يميزه عن غيره من البشر، والوحى فقط هو الواجب الطاعة أما ما دون ذلك فهو اجتهاد بشرى أمرنا فيه بالتفكير واتخاذ القرار، فلم يختر خليفة له رغم مرضه الطويل ولم يوصِ بشكل الدولة التى أقام قواعدها «البشرية» قبل أن يلاقى ربه راضياً مرضياً.. وما معنى قول «سعيد بن المسيب» عندما احتج عليه الناس بأقوال الأئمة الكبار: هم رجال ونحن رجال.. مسقطاً القداسة عن السلف جميعا، إلا بما فكروا ووضعوا أفكارهم فى خدمة الناس وعرضوها للشمس تقبل النقد والتمحيص والتغيير.. تجرى مع المصالح المرسلة لبشر جاءت من أجل سعادتهم كل الأديان، وبعثت من أجل حريتهم كل الرسل.. القول بأن «السلف» هم الأقدر على فهم كلام الله جل شأنه وعلى تفسير كلام الرسول الكريم، قول غريب فى عالم نضج فيه العقل البشرى، واستعان بكل منجزات التكنولوجيا لكى يقتحم عالم التخصص العميق ولا يكون «العالم» هو من يجيد فقط حفظ الآيات والأحاديث وأقوال «السلف».. فهذا فى العصر الحديث لم يعد يمثل أى مشكلة، إذ يمكن تحميل كل النصوص على كارت ذاكرة لا يتجاوز حجمه عقلة الإصبع، وإنما العبرة بالقدرة على التحليل والاستنتاج والرغبة فى التفكير الخلاق الحر المتخلص من قيود واقع يختلف جذريا عن واقعنا وحضارتنا وثقافة شعبنا.. اللحى التى كانت للاختلاف عن الكفار لم تعد كذلك الآن، إذ معظم «الكفار» ملتحون دون أن يعنى ذلك شيئا، والملبس له علاقة بظروف الطقس والثقافة فى كل بلد وليس ضروريا أبداً أن نكون جميعا متشابهين بدعوى «الوحدة» بل إن التشابه هو النمطية بعينها، وهو أمر ليس «إنسانيا» على الإطلاق بل يشبه «الروبوت»، الاختلاف الإنسانى هو الذى فجر الإبداع وحفز التفكير وكان بحق «رحمة» لأمة اضطهدت المفكرين والمختلفين من أبنائها كثيراً، فأفرز أغلبهم رؤى تعكس حالات من القهر والشك والريبة، ولم تتح أمام الناس فى أغلب الوقت الفرصة لإعمال فريضة التفكير الحر الخلاق المستنير، الذى لا يضع سوى مصالح البشر هدفا له طالما أن الله سبحانه لم يبعث رسلاً ولم ينزل أديانا إلا من أجل الناس، فكرة السلف نفسها فى حاجة إلى إعادة تفكير.. الدنيا تسير إلى الأمام ولا تتكرر أبدا.. إن «الإعلان العالمى لحقوق الإنسان» وضعه بشر صاغوه بكل تراث الإنسانية من أديان وثقافات وأعراف وحرية وحق.. صاغوه بشريا ولكنه لا يتحدى السماء، بل يتناغم معها فى وحدة طال افتقادها.. وهو اجتهاد «للخلف» وليس «للسلف» فهل أعطيناه حقه؟ هل نحترم «الإنسان» قليلاً؟ هل نحترم علقه الذى صاغ الديمقراطية أسلوبا للحياة أتاح للجميع أن يعبر عن إرادته الحرة فى اختيار طريقه نحو السعادة التى ينشدها والمجتمع الذى يهفو إلى العيش فى ظله؟..








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة