منذ يومين يتظاهر سائق تاكسى، وهو شبه عار أمام مجلس الوزراء، متهماً وزارة المالية بالنصب عليه وسلبه مصدر رزقه، السيارة التاكسى التى يعمل عليها، ورغم ذلك لم يتحرك أحد من مسئولى "المالية" للرد عليه أو تكذيبه أو حتى توضيح موقفهم من الاتهام بالسرقة والتحايل على رءوس الأشهاد، حسب العبارة الشائعة.
كلما تجاهل مسئولو "المالية" شكوى السائق واتهاماته، أوغل السائق فى اعتراضه شكلاً وموضوعاً، وحمل اللافتات وتجاهلوه، تظاهر عارياً وتناقلت وكالات الأنباء ووسائل الإعلام قصته وتجاهلوه، تظاهر رافعاً علم إسرائيل وتجاهلوه، مراهنين على اللعنات والاتهام بالخيانة التى يحصدها تلقائيا هذا السائق المجروح، الذى يشعر أن حقه مسلوب ولا يستطيع أن يفعل شيئاً.
هناك شىء غير مريح فى القصة برمتها، وعلى وجه الخصوص فى موقف وزارة المالية التى تعتمد المبدأ الفاسد، "أنا سيد قرارى وعلى المتضرر أن يخبط دماعه فى الحائط أو يخلع ملابسه فى الشارع"، قد يكون هذا السائق أقل ذكاءً ودربة من موظفى "المالية"، وهو كذلك بالتأكيد، قد يكون أقل منهم كفاءة فى مجال العلاقات العامة والدعاية الممجوجة لدرجة ارتكابه خطأ رفع العلم الإسرائيلى، وهو كذلك بالتأكيد، وقد يكون غير قادر على التعبير عن قضيته بالصورة القانونية المثلى، لكنه هنا أفضل من كل مسئولى وزارة المالية فى حكومة الثورة، الذين أغلقوا أفواههم بالضبة والمفتاح، كأن مرضا يمنعهم عن الكلام أو التوضيح أو التكذيب!
وهناك شىء مقلق فى القصة، يتعلق بالمفهوم الذى يعتمده رجال حكومة شرف فى التعامل مع الشعب، لا ينبغى له أن يوجد فى هذه المرحلة، وهذا السائق نموذج دال عليه، فمن الواضح أنه لف ودار على مكاتب المالية لإثبات أحقيته فى الحصول على التاكسى الجديد، حسب مشروع استبدال التاكسى الذى ترعاه الوزارة، أو استعادة سيارته القديمة، ومن الواضح أنه وصل إلى مرحلة اليأس الذى دفعه للتظاهر عاريا أو حاملا لعلم المحتل الإسرائيلى، فمن المسئول عن ذلك؟ من المسئول عن وصول الناس إلى حافة اليأس؟ لا أحد يقول لى، إننا فى مرحلة تقتضى الصبر وهذه الحكومة مكلفة بمهام محددة والاقتصاد الوطنى بعافية وخارج للتو من أزمة كبرى، إلى آخر هذه الكليشيهات التى أصبحت من فرط تكرارها فى وقت قصير أسطوانة مشروخة، لأنى سأرد عليه بسؤال بسيط، وما علاقة الاقتصاد القومى باهتمام وزير المالية أو حتى مدير مكتبه بالرد على هذا السائق بأى صورة من الصور، التحقيق فى شكواه، تكذيبه، تقديم المستندات الدامغة التى لا ُتصد ولا ُترد على عدم جدية اتهاماته، لكن تركه يناهد الصمت كالصارخ فى الصحراء أمر غير مقبول.
يا جماعة الخير فى وزارة المالية أو فى الحكومة عموما، راقبوا رضا الناس عن أدائكم، واجعلوا تيسير الحياة على المواطنين الغلابة والعامة والدهماء على قمة أولوياتكم، وإياكم إياكم من ضيق البلاد ويأس العباد ومن العمى التدريجى الذى يصيب المسئولين.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة