الخبر الجيد أن المخابرات المصرية قبضت على جاسوس إسرائيلى، لكن الخبر الذى يثير القلق أن هذا الجاسوس الفرد شارك فى المظاهرات، وحاول الإيقاع بين الشعب والجيش، وشارك وخطط لإشعال أحداث الفتنة الطائفية فى إمبابة، وجند بعض المصريين فى مدن وقرى بعيدة وقريبة من القاهرة.
مصدر القلق أن هذا الجاسوس الفرد صوره الإعلام المصرى كأخطبوط قادر على الانتشار فى كل مكان، وفى كل الملفات، وفعل ما يشاء بدون مقاومة أو ممانعة من الشعب العظيم الذى فجر الثورة الشعبية الأولى فى تاريخ مصر الحديث. ما يعنى أولاً أن المصريين غير قادرين على التمييز بين الأجنبى وغير الأجنبى، وأن لديهم ثانيًا قابلية للانقياد خلف أية مؤامرة خارجية أو داخلية تقودهم إلى تدمير بلدهم أو الصدام مع الجيش الذى حمى الثورة. وأن الفتنة الطائفية ثالثًا لا تشتعل إلا بوجود أصابع أجنبية وإسرائيلية خصوصًا، بدليل نشر صور فى عدد من الصحف المصرية يظهر فيها الجاسوس - الأخطبوط - مع عدد من السلفيين فى إمبابة!!، أى أننا يجب أن نصدق أن أى ملتحٍ جلس معه الجاسوس هو سلفى، وشارك أو دعا إلى ممارسة الإرهاب والعنف ضد الإخوة المسيحيين.
معظم القصص الإعلامية التى نشرت عن الجاسوس الإسرائيلى فى الإعلام المصرى تحتاج إلى تفكير نقدى ومراجعة، فليس كل ما يقدم فى الإعلام - المصرى أو الأجنبى - حقيقيّا، بل تتخلله أكاذيب ومصالح وأهداف خفية، فالتركيز الإعلامى على قصة الجاسوس يؤكد يقظة وفاعلية جهاز المخابرات المصرية، وهو بلا شك جهاز مشهود له بالكفاءة والفاعلية، لكن فى المقابل جاء هذا التركيز الإعلامى على حساب اهتمام الرأى العام بقضايا أخرى أكثر أهمية ربما فى مقدمتها استعادة الأمن، واستعادة عافية الاقتصاد، كما جاء للأسف على حساب الصورة النقية - الأيقونة الرائعة لثورة 25 يناير - حيث بدت الثورة فى صورة الجسد المخترق من الخارج القابل للانكسار.
ما أضعف ثورتنا! وما أبسط المصريين فربما لسذاجتهم صدقوا أغلب قصص الإعلام المصرى عن أن مجرد جاسوس إسرائيلى أو حتى إسرائيل قادرة على التأثير فى مسار الثورة، أو الإيقاع بين الشعب والجيش أو إشعال أحداث إمبابة الطائفية! وما أضعف إعلامنا الذى روج تلك القصص، ربما جريًا وراء تحقيق سبق إعلامى زائف، أو تحقيق معدل مرتفع من التوزيع أو المشاهدة، بدون أن يلتفت إلى خطورة ما يقدمه للرأى العام من طعن غير مباشر فى قدرات ثورتنا، وفى ذكاء المصريين، وفى وطنيتهم وثقتهم فى أنفسهم. ويبدو أن بعض الإعلاميين قد فهموا أن حرية الإعلام بعد الثورة تعنى حرية المنافسة الإعلامية بدون مراعاة للقواعد المهنية ومواثيق الشرف الإعلامى.
ويبقى أن مصالح بعض الأطراف فى التلاعب بأولويات اهتمام الرأى العام، أو أخطاء الإعلام استخدمت بفاعلية مكون التفكير بالمؤامرة عند كثير من المصريين، فإسرائيل وأمريكا وأحيانًا حزب الله وإيران والقاعدة - المهم طرف خارجى - تتلاعب بالأمن القومى وبملف الفتنة الطائفية وبالعلاقة بين الجيش والشعب، وبالتالى فإن أهم مشاكلنا هى نتاج للخارج وليس للداخل، أى أننا أمام آلية مريحة لتفسير فشلنا وترحيل كل إخفاق فى مواجهة مشكلة أو أزمة لطرف خارجى - شماعة الخارج - والمشكلة أن هذه الآلية التى ترسخت فى السنوات الأربعين الأخيرة وصارت عند كثير من المصريين حقيقية وبديهية لا تقبل النقاش أو المراجعة، رغم ما بها من طعن فى قدرة المصريين وثقتهم فى أنفسهم. وحاول مبارك فى أيامه الأخيرة استخدامها ضد الثوار فى التحرير وفى ميادين مصر.. عندما ادّعى أن الثوار يتلقون أموالاً ووجبات من الخارج!! لكن مبارك فشل.. ونجحت الثورة. ومع ذلك يبدو أن آلية التفكير بالمؤامرة لا تزال باقية وفاعلة، ومن الضرورى التفكير فى الثورة عليها وتغييرها، حتى نؤكد ثقتنا فى أنفسنا وقدرتنا على بناء مصر المستقبل.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
اشرف محمد
الثورة بالكامل لعبة
عدد الردود 0
بواسطة:
يوسف
مصر مستهدفة
عدد الردود 0
بواسطة:
Amin yosry
اسطورة الجاسوس .. كلام صحيح