اعتبر الكثير من الليبراليين واليساريين أن قرار لجنة شؤون الأحزاب السياسية بقبول حزب الحرية والعدالة هو الميلاد السياسى لجماعة الإخوان المسلمين، وأنهم مازالوا يَحْبُون فى عالم السياسة، ووصل الأمر ببعضهم إلى أن يصف الإخوان بعديمى التجارب السياسية، وعلى رأسهم الأستاذة إقبال بركة التى أكدت فى مقالها بـ«اليوم السابع» تحت عنوان «أحمد وسيدأحمد.. على من يضحك الإخوان» أن الجماعة بعد سنوات طويلة من الإصرار على الاكتفاء بالدعوة ورفض الخوض فى مستنقع السياسة ومتناقضاتها قررت أن تخوض غمار السياسة وتنشئ حزبا، بل وجدنا الكاتبة الكبيرة تحاول بشكل إقصائى أن تؤكد للقراء أن الإخوان لن يضيفوا للحياة السياسية.
من الطبيعى أن يقبل الجميع النقد والاختلاف فى وجهات النظر، لكن ما نرفضه أن يسعى شخص ما لتضليل الرأى العام، سواء كان عن عمد أو جهل بحقائق الأمور، فمن يدعى أن الإخوان لم يمارسوا العمل السياسى قبل ثورة 25 يناير وأنهم لا يجيدون إلا العمل الدعوى فقد جانبه الصواب.
ومن لا يعرف اجتهادات الإخوان فى العمل السياسى فليسمح لى أن أنقل له صورة من التاريخ السياسى المشرف لهذه الجماعة، فمنذ تأسيس هذه الجماعة نظر الإخوان للسياسة على أنها جزء من دينهم الذى يشمل كل مجالات الحياة، ولذلك وجدنا مؤسس الجماعة الإمام حسن البنا يعلن عن خوضه الانتخابات البرلمانية مرسخا لقواعد العمل السياسى بين أعضاء الجماعة، ثم وجدنا الإخوان يلعبون دورا فوق العادة فى مقاومة الاحتلال البريطانى، وخاضوا معارك العزة فى منطقة القناة بجوار إخوانهم من الفصائل السياسية الأخرى.
كما كان للإخوان دور سياسى وعسكرى فى القضية الفلسطينية شهد له التاريخ، ولعل ما قامت به كتائب الإخوان فى حرب 48 خير دليل على وطنية وعروبة الأجندة السياسية لهذه الجماعة، بل كان الإخوان من أوائل الفصائل التى قامت على أكتافها ثورة 23 يوليو، ووقفوا بجوار الثورة حتى اشتد عودها، لكن للأسف كان جزاء الإحسان الإساءة، وانقلب عبدالناصر على من حملوه على أعناقهم، وعلق خيرة رجال مصر أمثال عبدالقادر عودة والشهيد سيد قطب على أعواد المشانق.
وبالرغم من كل هذا الظلم فإن الإخوان لم يلجأوا للعنف أو رد الإساءة بالإساءة، بل احتسبوا ذلك لله وحبا فى الوطن، وعندما خرجوا من السجون فى السبعينيات عادوا بكل قوة للعمل العام والسياسى، وكافأهم الشعب المصرى باختيارهم فى الانتخابات النقابية والطلابية، وبالرغم من انقلاب السادات عليهم فإنهم لم يكفروا بالعمل السياسى، لأنهم ينظرون إليه على أنه واجب وطنى وعليهم تأديته مهما كلفهم ذلك.
ثم جاء عهد الطاغية مبارك الذى تفنن على مدار 30 عاما فى مطاردة الإخوان ومؤسساتهم وتحويلهم لمحاكمات عسكرية، ورغم ذلك صمم الإخوان على مواصلة العطاء السياسى من خلال تحالفات سياسية مع حزب الوفد تارة والعمل تارة أخرى، ونجحوا فى تحدى النظام وحققوا ضربة قاصمة له فى انتخابات 2005.
فكيف لأى شخص أن يتجاهل كل هذا العطاء السياسى حتى لو كان مغرضا، ولو كان الشعب يرى أنهم لم يقدموا جديدا ما شرفوهم باختيارهم فى الانتخابات المختلفة، ولو كان أى اتجاه سياسى تعرض لما تعرض له الإخوان لذاب، وهنا علينا أن نذكر الجميع بأن قواعد العمل السياسى تقوم على المنافسة الشريفة بين القوى السياسية، وأن من حق كل فصيل أن يمارس دوره فى إقناع الشارع المصرى بمنهاجه السياسى، ومن حقه أيضا أن يمثل حسب تواجده فى الشارع، فالفيصل فى هذا الأمر رأى الشارع وصندوق الانتخابات، وأيضا من حق أى قوة سياسية أن تسعى للسلطة بشكل ديمقراطى حر، فمبدأ تداول السلطة متاح للجميع، وليس حكرا على أحد، وكفانا إقصاء وكفرا بالديمقراطية إذا مالت كفتها للإسلاميين.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة