براء الخطيب

ذكريات طلابية عن ليبيا

الأحد، 08 مايو 2011 07:12 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى بداية السبعينات من القرن الماضى كان "يوسف شاكير" يظهر فى كافتيريا جامعة القاهرة (كان طالبا فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية إذا لم تخوننى الذاكرة سنة 70 أو 71 وعلى الأكثر سنة 72، لأننا كنا قبل حرب أكتوبر 73) وهو يرتدى بدلة كاملة، عرفنا أنه (ليبى) مهتم بالتجمعات الصوفية والدجل والشعوذة فى مصر (الرجل قديم فى علاقته بشمهورش وشاس ولواوا زعق وكل الجن والزعابيب المتزعببة)، وأحيانا كان يراه زملاؤه وقد عصب رأسه بخرقة خضراء كما كان يفعل دراويش الطرق الصوفية فى "الحسين" أو "السيدة زينب" لم يكن يهتم (ولو بمجرد السماع) بما كانت تموج به الجامعات المصرية من تجمعات طلابية ثقافية أو حركات طلابية احتجاجية ضد نظام الحكم فى مصر الذى كان يترأسه الرئيس الأٍسبق (القتيل) أنور السادات، على عكس طالب كلية الآداب قسم الصحافة "عبد الرحمن شلقم" الليبى الذى قدمه لنا زميلنا وصديقنا الشاعر (الشاب والطالب بقسم صحافة فى كلية الآداب يومها) حلمى سالم، وهو شاعر وناقد ويعتبر من أبرز شعراء مصر فى سبعينيات القرن العشرين وبعد حصوله على ليسانس الصحافة من كلية الآداب بجامعة القاهرة، عمل صحفيا بجريدة "الأهالي،ثم مدير تحرير مجلة "أدب ونقد"، ثم كفره أحد الشيوخ عندما كتب قصيدة "من شرفة ليلى مراد"، وقد كان "شلقم" مهتما بالحركة الطلابية فى مصر وكان يكتب الشعر أيضا فى هذه الأيام، حاولت – الآن - تجميع بعض الذكريات فى ذهنى بعد المساجلة الصحفية على صفحة "القدس العربي" بين "عبد الرحمن شلقم" و"عبد البارى عطوان" ولم أغضب من أحدهما، لأن لكل منهما وجهة نظره التى تؤكد (رغم اختلافهما واختلاف ظروف وقناعات كل منهما) حرية الاختلاف أو الاتفاق فى الرأي، لكنى تذكرت أيضاً "محمود البوسيفى"، وهو واحد من الذين كانوا من أصدقائنا (أو معارفنا)، والذى قدمه لنا الصديق "عبد القادر غوقة"، الذى كان ملحقا ثقافيا فى السفارة الليبية بالقاهرة (أول مرة قابلته فيها كانت فى بار فندق كوزموبوليتان بالقاهرة مع الشاعر العظيم الراحل أمل دنقل) وأصبحوا من المقربين لـ"القذافى" يدافعون عنه حتى فى استخدامه القوة المسلحة للإبادة الجماعية للشعب الليبى، ورأيته على شاشة الفضائية الليبية (الجماهيرية) تحت مسمى "رئيس الهيئة العامة للصحافة"، وهو يقود مجموعة من حاملى رايات القذافى الخضراء فى طرابلس، وهو يهتف كأحد صبية اللجان الثورية أو غوغاء الحرس الثورى: "الله ومعمر وليبيا وبس" وعندما قرأت ما كتبه "شلقم" ردا على "عبد البارى" تأكدت من أن كلا منهما سوف يتبين وجهة نظر محاوره وسوف يلتمس له عذرا ما لاسيما وأنهما أبديا احتراما حقيقيا (وبلا مجاملات فجة لبعضهما وربما يكون هذا التحاور الحر على صفحات القدس العربى يؤكد شرف مقصد كل منهما فى شرح وجهة نظره)، ومن أول يوم للمظاهرات فى "بنغازى" تساءلنا عن موقف المثقفين الليبيين وبالذات الذين كانوا مقربين من "القذافى" ومنهم مثلا "محمود البوسيفى" و"عبد الرحمن شلقم" الذى كان أمين للجنة الشعبية العامة للاتصال الخارجى والتعاون الدولى فى ليبيا (وزارة الخارجية) فى الفترة بين (2000/ 2009)، لكنه أعلن انحيازه للشعب لليبى ضد نظام القذافى يوم 24 فبراير أى بعد أسبوع واحد من بداية التظاهرات الاحتجاجية تاركا "محمود البوسيفى" متمتعا برئاسة الهيئة العامة للصحافة يقود جماهير (صبية) اللجان الثورية وغوغاء الحرس الثورى وهو يهتف: "الله ومعمر وليبيا وبس" ومع أنى لم أكن صديقا مقربا لـ"شلقم" أو "البوسيفى" لكنى كنت واحدا من المصريين الذين تعرفا على كليهما وفرحوا لموقف "شلقم" وشعروا بالأسى والغضب من موقف "البوسيفي"فماذا عن موقف يوسف شاكير؟ ذلك المأفون الذى ظهر على شاشة الفضائية الليبية (الجماهيرية) وهو يمسك بمسبحته ويعلن أنه الآن يرسل رسالة من الحكيم "سليمان" إلى السلطان "هيمشاس" آمرا الشيطان الأمرد المعروف فى وسط الجن بـ"المربوط الليبي" بأن يأتمر بأمره "عمم الظلام، دع البومة الزرقاء تعمل، وأهرج وأمرج، فلا حل للإشعاعات النيزيكية أيها الأمريكيين" إلى آخر هذه الخزعبلات التى سوف يمطرها "المربوط الليبي" على رأس قوات التحالف، ولم يقل لنا تلميذ دراويش الجماعات الخزعبلاتية والدجالين المصريين الذى تربى على خزعبلاتهم فى شبابه فى مدافن الدراسة بالقاهرة، لم يقل لنا – نحن المشاهدين – كيف لـ"مربوط" أن يدمر قوات التحالف بالإشعاعات النيزيكية، حتى ولو كان هذا "المربوط" هو "المربوط الليبى" شخصياً.

سوف تظل مدينة بنغازى (بالنسبة لنا نحن المصريين من طلبة جامعة الإسكندرية وساكنى الإسكندرية) هى درة الحركة الطلابية الليبية (قلب الحركة الوطنية الليبية)، فقد كنا الأقرب لها كما كانت بنغازى هى الأقرب لنا، فـ"فى صباح أحد أيام بداية شتاء عام 1968عندما دخل "خيرت الشاطر" إلى صالة "إعدادى" بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية وهو مراهق نحيف فارع الطول لم يكن قد أكمل عامه الثامن عشر، كان أتيا مباشرة من محطة القطار الآتى من مدينة المنصورة، حكى للطلاب الذين سمعوه بانتباه وهلع ما حدث قبل يومين من أحداث بين المتظاهرين من طلاب المعهد الدينى وقوات الأمن، كيف أستطاع نظام النكسة الذى فر أمام أعداء الوطن فى ست ساعات أن يمارس الوحشية مع أبناء الشعب الذين طالبوا فقط بإصلاحات تعليمية كان "خيرت الشاطر" قد شهد بنفسه وعاد إلى الجامعة ليحكى بإيمان شهادته دون أن تجفل عيناه اللتان أضناهما السهر يومين كاملين لم يستطع خلالهما أن يهجع فى بيت أمه، استمع مئات الفتيان والفتيات إلى تقرير "خيرت الشاطر" الذى لا يستطيع أيا كان من يسمعه إلا أن يصدقه لأنه صادق أمين، فى وسط الجمع صاح مراهق أخر (الزناتى) هــذا ما فعلته الثورة البيضاء، وهتف الملوانى: "من رأى منكم منكرا فليغيره بالجزمة، افتحوا مدرج إعدادي، وبدأت أحداث انتفاضة 68، أما "الملواني" فهو "عبد الحكيم تيمور الملوانى" طالب الهندسة، صديقى الرائع الذى كان مكانه المفضل الذى يقضى فيه كل وقته هو عندنا فى "كلية الآداب" حيث أصدقاءه الليبيين من طلبة جامعة الإسكندرية، وكان يحكى لنا فى إسهاب الكثير الكثير عن الحركة الطلابية فى ليبيا حتى قبل انقلاب القذافى وفى عهد الملك "إدريس السنوسي" عندما اندلعت المظاهرات الطلابية فى مدينة "بنغازي" وكانت المظاهرات الطلابية موالية للرئيس "جمال عبد الناصر" كما قال سليمان الشيخ فقد عزاها الكثير من الليبيين إلى وجود تحريض مصرى موجه من قبل السفارة المصرية وبعض المدرسين المصريين المواليين لجمال عبد الناصر، وكان الملك "إدريس السنوسي" فى مدينة "طرابلس"، فتجمع المتظاهرون خارج القصر فى "بنغازى"، وهم يهتفون بشعارات مؤيدة للرئيس المصرى ومعادية للملك "إدريس" ثم تحولت المظاهرة الغاضبة إلى (أعمال شغب) ومصادمات مع الشرطة فقام أحد عناصر الشرطة بإطلاق الرصاص على جموع الطلبه الغاضبين مما أدى إلى مقتل وجرح عدد ٍ منهم، فكانت (فاجعة) وطنيه استنكرها كل الليبيين بما فيهم الملك ورجالات الدولة (وطلبة جامعة الإٍسكندرية) الذين كان يضرب بهم المثل فى القول الشهير بخفة الدم المصرية عن الرئيس الكورى (الزعيم كيم إيل سونج المحبوب من مائة مليون كورى وثمانين طالب من كلية الهندسة فى جامعة الإسكندرية) وبنفس المنطق (المتحمس بفجاجة المراهقة البيولوجية والسياسية) كنا نتابع الحركة الطلابية فى بنغازى القريبة من الإسكندرية تلك الحركة الرائعة فى تلك الأيام الأولى من سنوات السبعينات (1972) التى كتب عنها بعد ذلك "ناجى الفيتورى" صديقى (فى الفيس بوك حاليا) حيث "كان نظام القذافى يرغب فى إلغاء اتحاد الطلبة نهائياً، على أساس أن اتحاد الطلبة لا ضرورة له بعد (ثورة الفاتح)، ثم تراجع النظام قليلاً، فأصبح لا يمانع فى تأسيس اتحاد تابع له، أهدافاً وإدارة ووسائل وإرادة، ويكون قادته موظفين، يعينون لتنفيذ أوامر وسياسات محددة، أى يكون اتحاداً حكومياً بحتاً، لا اتحاداً حراً، يمثل أهداف وطموح ومنطلقات القطاع الطلابي، ولكن الحركة الطلابية استطاعت- بالرغم من رغبات نظام القذافى ونواياه- أن تهزم أعوان النظام انتخابياً، وان تأتى بعناصر طلابية واعية تقود الاتحاد، وهكذا تأسس الاتحاد كما أراده الطلبة، لا كما أراده نظام القذافي، وسمى هذا الاتحاد بـ"الاتحاد الشرعي"، الذى يقابل أو يضاد "الاتحاد الحكومي"، وبعد إعلان "ثورة التجهيل" (الثورة الثقافية)، فى ابريل1973م، القى القبض على العناصر الطلابية الواعية، من قادة وقواعد اتحاد الطلبة الشرعي، ودفع النظام بمجموعة من مؤيديه، إلى إنشاء اتحاد حكومى صورى يتبع الدولة قلباً وقالباً، وتفاعل طلبة الخارج (وبالذات فى جامعة الإسكندرية) مع هذه الأحداث، فأرسلوا بمذكرة تطالب النظام بالتراجع عن مواقفه تجاه الاتحاد الشرعي، بل وسع القطاع الطلابى من مطالبه، فطالب النظام بالديمقراطية وإطلاق الحريات السياسية العامة، وإلغاء الأحكام العرفية وإعلان دستور دائم للبلاد، ومع اواخر1974، أعلن النظام عن برنامج التدريب العسكرى العام، الذى يتلقى الطلبة على أساسه تدريبات عسكرية حتى إثناء الدراسة، وتدريبات أخرى أثناء فترة الصيف، وتعارض هذا البرنامج، مع متطلبات الدراسة، بما فى ذلك مواقيت الامتحانات. ليس ذلك فحسب، بل فضلاً عن تعارض هذه البرامج العسكرية مع الدراسة بصفة عامة، فان الإعلان عنها كان يتم بصورة مفاجئة، ودون مقدمات، بل ودون وقت كاف للاستعداد لها، ناهيك عن قطع البرامج الدراسية والنشاطات التعليمية، فى كل مرة يعلن عن فترة التدريب، وناهيك عن الفترة الزمنية التى يحتاجها الطلبة ليتأقلموا، مرة أخرى، مع الأجواء الدراسية، بعد انتهاء الدورات التدريبية التى تقام أثناء الدراسة، أضف إلى كل ذلك المعاملة النفسية والجسدية القاسية التى تعرض لها الطلبة داخل معسكرات الجيش، وصلت إلى موت بعض الطلبة، كما حدث فى بعض المعسكرات، كمعسكر التكبالى على سبيل المثال، وألقت تصرفات نظام القذافى تجاه الحركة الطلابية، ظلالاً كثيفة من الشك، حول نية النظام الحقيقية من وراء برنامج التدريب العسكرى العام، واتجهت الظنون إلى أن النظام كان ينوى تدمير البنية التعليمية فى ليبيا، فالتدريب العسكرى بهذا الشكل، توقيتاً وتنظيماً، والتدريب العسكرى بهذا الشكل، قسوة وعنفاً، يهدف، وبدون شك، إلى إرهاب القطاع الطلابى واضطهاده إهانته، كما يهدف إلى زرع العداوة بين القطاع العسكرى والقطاع الطلابي، وذلك بعد السماح للقوات المسلحة بالدخول إلى المدارس والحرم الجامعى والتدخل فى إداراتها، تزامنت هذه الأجواء مع استمرار جدية نظام القذافى فى إنشاء اتحاد طلاب حكومي، وإصراره على إلغاء الاتحاد الشرعي، فانطلقت بسبب هذه الأحداث، مظاهرات احتجاج فى اغلب مدن ليبيا تطالب بشرعية الاتحاد، واستقلالية الجامعة، وتعديل مواعيد التدريب العسكرى العام، وزادوا فوق ذلك، المطالبة بالحريات العامة، بما فى ذلك حرية التعبير، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين فى ليبيا، صعد نظام القذافي، اثر ذلك، من موقفه وشكل محكمة عسكرية لمحاكمة الطلبة الرافضين لبرامج التدريب العسكرى العام، وانطلق الطلاب فى نفس الفترة، فشكلوا فى جامعتى طرابلس وبنغازي، روابطهم الاتحادية المحلية فى الكليات، وشكلوا هيئة تأسيسية للاتحاد فى جامعتى طرابلس وبنغازي، ثم نظموا، فوق ذلك، العديد من الاعتصامات والمظاهرات والاضرابات، خاصة فى الفترة من 1973 إلى أواسط 1976، وبدأت رائحة الصدام الدموى تفوح بين النظام العسكري، والحركة الطلابية، وذلك بعد أن طالت وزادت سلسلة المطالب، مقابل سلسلة القهر والسجون والاعتقالات والمحاكمات، ضد منتسبى الحركة الطلابية، بصورة جماعية، وانتقل الصدام إلى شوارع طرابلس وبنغازي، وتدخلت قوات الأمن لقمع المظاهرات الاعتصامات، خاصة داخل الحرم الجامعي، وميدان الجزائر، ومنطقة الفرناج فى مدينة طرابلس، وحول ضريح عمر المختار، وميدان الشجرة، والحرم الجامعى فى مدينة بنغازي، وأطلق النظام الرصاص على الطلبة، ونزلت الدبابات فى بنغازى إلى الشوارع، وانتشرت الحرائق والفوضى والاضطرابات، فى شوارع المدن الرئيسية فى ليبيا، بل وفى قاعات المحاضرات والفصول الدراسية وردهات الجامعات، وختم النظام هذه المرحلة بإعدام "عمر دبوب" و"محمد بن سعود" علناً، فى ميدان الاتحاد الاشتراكى (الكاتدرائية سابقاً) فى مدينة بنغازي، وذلك فى 7 ابريل 1977، تلك "بنغازي" التى كانت البداية دائما، تلك التى أحببناها فى صبانا وشبابنا، وهاهى تمنحنى فى كهولتى تجددا لأمل قديم، فى صباى كان صديقى "جويدة الليبي" عامل شركة "كابو" للنسيج هو الوحيد الذى كان يهزمنى فى لعب الكوتشينة، فكنت أنتقم دائما من قريبه "إدريس" الليبى زميلى فى مدرسة الفاروقية الثانوية فاهزمه فيدفع ثمن ما شربناه من المشروبات فى مقهى "الحاج أمين" فى شارع الأمير عمر بحى غيط الصعيدى على أطراف حى محرم بك، كان جيراننا وأًصدقائنا من الليبيين إما من بنغازى أو طبرق أو درنة، كانوا يحكون لنا عن هذه البلاد الجميلة فى وسط الصحراء الشاسعة، كانت كل حكاياتهم لنا عن مدنهم وكان الخيال يسبح بى كلما كان أحدهم يعدنى بالسفر معه إلى مدينته فى ليبيا التى لا تبعد إلا ساعات قليلة بسيارة "البيجو 7 راكب" كانت أول تعارفنا فى الإسكندرية على سيارة "البيجو 7 راكب" على يد الشباب الليبيين الذين كانوا أول من أدخلها إلى بر مصر، تربطنا بهم وتربطهم بنا، كانت أول سيارة تدخل أسرتنا فى حياتى ماركة "فولكس" التى كنا نسميها "الخنفسة" وكانت قد أحضرها عمى "عبد الرحمن" معه قادما من مدينة "درنة" الليبية عندما كان فى الأجازة الصيفية قادما منها حيث كان يعمل مدرسا للغة العربية فى مدرسة ثانوية بها، ليبيا، بنغازي، حلما عاش دائما فى خيال أطفال الإسكندرية، أتشمم الآن رائحة البحر على شاطئ بنغازي، فى ميدان التحرير (المحكمة سابقا) حيث تشعل أرواح الشهداء لهيب الثورة منذ 17 فبراير فى العام 2011 ، يشعلها فقراء المدن التى دهمتها دبابات الطاغية البائس المجنون المتجمعون فى ميدان المحكمة ملوحين للطيور فوق ماء البحر بعلامات النصر، فتزغرد الأمهات الحزانى لأبنائهن الشهداء الذين لفهم المتظاهرون فى العلم ذى الثلاثة ألوان يحملوهم فوق الرؤوس، يدورون بهم الميدان ثم يقيمون لهم صلاة الشهيد، من رأى مثل هؤلاء الشهداء؟ من رأى الرؤوس المقطعة فى أجدابيا ومصراتة؟ وطلقات الرصاص التى اخترقت الجباه فى سجن "أبو سليم" حيث المذبحة التى شرب منها الطاغية اليائس المجنون كل الدماء، وما زال يلغ فى دماء مصراتة، ومصراتة جمرة تروى عطش الفقراء المحاربين عن شرفهم، كان "شاكير" والمسبحة فى يده يعلن رسالة الحكيم سليمان للمربوط الليبى (الجني) ليدمر طائرات التحالف ويحدد ثلاثة من سلاطين الجن حيث يأمر كلا منهم بأوامر التدمير التى تخصه قائلا بالحرف الواحد: "إلى السلطان حصحبتوه المغربي: أهرج وأمرج، صب عليهم كل الإشعاعات النيزيكية لتبيدهم. لقد كثر الهرج والمرج والأخذ والرد، فاذهب عليهم، دك بلادهم، الجزاء من جنس العمل، واحدة بواحدة والبادى أظلم، عمم الظلام ودع البومة الزرقاء تزعق، فارحلوا قبل أن يهاجمكم المربوط الليبي. إلى السلطان هيمشاس: أرض الأتراك تنشق من أجل بيع الدين بالدنيا. إلى السلطان أشاوس: أرض الإنجليز والتابع القطرى والإمعة الإماراتي، أرسل عليهم ريح صفراء تحمل الموت وغضب الطبيعة" وسوف يصدق الطاغية البائس المجنون خادمه "شاكير" وسوف يتعلق بحبل خزعبلاته وسوف يعمل بنصيحته ويعمم الظلام على مصراتة، ويدع البومة الزرقاء تزعق فى شوارع أجدابيا، ويرسل رياح دباباته الصفراء على الزنتان والجبل الغربى وسرت وجبل نفوسة لعله ينقذ نفسه من قبضة أطفال ليبيا، لكن بلا جدوى فليس أمامه إلا الموت عندما يدخل سباب 17 فبراير طرابلس عاصمة ليبيا، كل ليبيا الموحدة.

* كاتب وروائى مصرى.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة