البلبلة التى تسرى فى الشارع المصرى الآن بشأن مستقبل الثورة تطرح العديد من الأسئلة، أولها: هل هناك خوف على هذا المستقبل؟ وهل الخلاف حول جمعة الغضب الثانية المقرر إقامتها غداّ أمر طبيعى؟ (أكتب هذا الكلام فجر الخميس 26 مايو 2011)، وهل الذين يمسكون السلطة حالياً (المجلس العسكرى والحكومة) يمارسون مهامهم بصورة جيدة توائم تطلعات الشعب الذى ثار واستشهد منه أشرف أبنائه من الشباب؟ ثم ما تأثير إحالة الرئيس المخلوع حسنى مبارك إلى محكمة الجنايات بتهمة قتل الثوار، كما شهد بذلك نائبه السابق عمر سليمان (جريدة الأخبار الخميس 26 مايو)، أقول ما تأثير ذلك على قوى الثورة المضادة وفلول النظام القديم وما أكثرهم؟
بداية يجب التأكيد على أن كل ثورة ناجحة تمكنت من إسقاط نظام فظ غليظ القلب مثل الذى حكمنا ثلاثين عاماً، يتبعها بالضرورة مرحلة زمنية من التشويش والبلبلة، حيث يكتشف الناس فجأة أنهم مكلفون بالبحث عن الطريق الذى يسلكونه من أجل تأسيس نظام جديد أكثر حرية وعدلاً وديمقراطية وجمالاً. وعليه يشرع كل إنسان فى طرح وجهة نظره فيما ينبغى عمله للوصول للهدف المنشود، الأمر الذى يؤدى فى النهاية إلى احتشاد الساحة بمئات الأفكار والآراء المتباينة والمختلفة التى يدافع أصحابها عن صحتها وصوابها بكل الوسائل، وهو أمر محمود لا ريب، خاصة بعد عقود من تعطيل الحريات ومصادرة الحوار السياسى.
هذه الأفكار والآراء التى تطالعنا كل ساعة تشيع البلبلة الفكرية فى نفوس العديد منا نحن المصريين، لدرجة تدفع الكثيرين إلى الكفر بالثورة، خاصة الذين لم تتحسن أوضاعهم المعيشية بعد، فظلت كما هى إن لم تكن أسوأ! لذا أظن أنه من الضرورى أن نحدد الأهداف التى نريد تحقيقها بوضوح، بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على إزاحة رأس السلطة فى مصر، وذلك وفق جدول زمنى محدد، هذه الأهداف يمكن تلخيصها فى الآتى:
1- ضرورة استعادة الأمن بكل الوسائل، وفى أقرب وقت ممكن حتى تطمئن الناس على حياتها وممتلكاتها.
2- الحفاظ على الحرية التى اكتسبناها بعد أن أسقطنا نظاماً سيئ السمعة، فلا يحق لأى كان أن يمنع المصريين من حق التظاهر السلمى تعبيراً عن غضب ما، أو رغبة فى تحقيق شىء ما، أو تشجيع من بيدهم الأمر على اتخاذ قرارات جريئة فى مصلحة الشعب.
3- تخصيص جهة واحدة فقط تشرف على تنظيم حوار وطنى واسع يضم كل ألوان الطيف السياسى فى مصر، وأولهم شباب الثورة، باستثناء بقايا الحزب الوطنى الذى تم حله بقرار من المحكمة، ذلك أننا نسمع كل يوم عن إقامة (حوار وطنى هنا) أو تنظيم (حوار قومى هناك)... إلخ.
4- هذا الحوار الوطنى الواسع يجب أن يتخذ توصياته فى حدود شهر من الآن، على أن تقوم السلطات بتنفيذ هذه التوصيات، وإلا أصبح الحوار مجرد تضييع وقت لا أكثر.
5- فى ظنى أن أهم القضايا التى ينبغى الوصول فيها إلى اتفاق تتمثل فى تحديد النظام السياسى الذى نريده: هل هو برلمانى أم رئاسى؟ أم تتوزع السلطة بينهما بالتساوى؟ ما طبيعة الدستور الجديد الذى يجب وضعه بدلاً من الدستور القديم الذى أسقطته الثورة مع النظام، على الرغم من التعديلات التى جاءت على عجل، بعد الثورة، وتم الاستفتاء عليها فى سابقة غريبة ومريبة.
6- الوصول لتصور واضح ومحدد بشأن الانتخابات المقبلة (البرلمانية والرئاسية)، وهل يتم إجراؤها فى الموعد الذى حدده المجلس العسكرى بعد نجاح الثورة مباشرة؟ أم من الأفضل أن تؤجل عدة أشهر حتى استتباب الأمن، والإعداد الجيد لها؟
7- الاتفاق على ضرورة وضع خطة عاجلة لتحسين مستوى المعيشة لملايين الفقراء من المصريين، خاصة الفلاحين والطبقة العاملة (تعداد مصر وصل 88 مليون نسمة وفقاً لآخر إحصاء أعلن الخميس 26 مايو).
8- الإسراع فى محاكمة رموز النظام القديم بمن فيهم الرئيس المخلوع، حتى نطوى هذه الصفحة المؤلمة من تاريخ مصر، ونتفرغ لبناء المستقبل.
هذا ما عندى من اقتراحات للقضاء على البلبلة التى أزعم أنها لن تدوم طويلاً، فالثورة ستسير، على الرغم من تربص أعدائها، نحو تحقيق الأهداف التى تفجرت بسببها. وأولها تأسيس مجتمع جديد ينهض على الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. نعم.. أنا لست خائفاً على مستقبل الثورة، فهل أنت خائف؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة