"آسفين يا مدام.. كل أولياء الأمور الآخرين جميعهم طلبوا منا زيادة الواجبات المدرسية، أنتِ الوحيدة التى تعتبرينها كثيرة، لذا فلن نستطيع تلبية طلبك".. هكذا كان رد المعلمة التى طلبت منى كتابة ملاحظاتى على الأداء المدرسى، كغيرى من أولياء الأمور، ولأن طفلتى حينها كانت لا تزال فى كى جى 2، اعترضت على تكليفها بواجبات مدرسية كثيرة، ناهيك عن عدم قناعتى بأهمية هذه الواجبات فى عمرها الصغير أصلاً.
عندما جلسنا لنتناقش جميعاً كنت الوحيدة التى تطالب بواجبات أقل، فى حين اعتبر الآباء الآخرين أن على أبنائهم أن "يعملوا" أكثر، فالآباء يعملون هم الآخرون بجد كى يكسبوا المال لانفاقه على تعليم جيد، وفى مقابل ذلك يتوقعون من الأبناء أن "يذاكروا أكتر".
ولأننى بدوت ككائن من عالم ٍ آخر ـ إن لم أكن مجنونة فى نظرهم ـ فقد آثرت الصمت مشفقةً على زملاء ابنتى، أكثر من إشفاقى عليها، فعن نفسى قررت ألا أجهدها لصالح نظام تعليمى "حافظ مش فاهم"، لن ينتج سوى أجيال أخرى من فاقدى القدرة على التفكير والتذوق.. وعيش الحياة.
الآباء فى مدرسة ابنتى، لا يختلفون كثيراً عن آباء الصغار المساكين ضحايا حضانة زفتى، فهؤلاء أيضاً يعتقد آبائهم، أن ضرب المدرس هو وسيلة مثلى للتربية والتعليم!، ولما لا.. وهم أنفسهم أبناء منطق تربوى وتعليمى يقوم على أن الضرب / الألم هو خير معلم، وليس وسيلة للإهانة وإهدار الكرامة وتعطيل العقل!.
ربما أن أطفال حضانة زفتى محظوظون لأن المدرس "قليل البخت"، كان بطل فيديو تم تناقله حتى وصل لشاشة التليفزيون، فكان لا بد من رد فعل رسمى.. لا أكثر، لكن هؤلاء الأطفال أنفسهم سيجابهون العنف والضرب والإهانة والإيلام مرات كثيرة جداً، فى البيت وفى كل المدارس التى سيلتحقون بها فيما بعد، وليسوا وحدهم فى هذا، بل ملايين من المصريين شباب الغد يلاقون ذلك الآن، وطالما أن الإيلام والإهانة لا تزال وسيلة مثلى للتربية والتعليم فى عقيدة البيت والمدرسة، صدقونى.. لن نحظى سوى بأجيال وأجيال من الخانعين، اليوم وغداً ولسنين طوال.
الإجراء القانونى بالطبع مهم، لمعاقبة مواطن مارس العنف ضد الأطفال المساكين، لكنه لن يوقفه، فللعنف أسباب أخرى، إذا لم نواجه أنفسنا بها اليوم، نكون قد مارسنا جرم خداع النفس من جديد، وإذا كنا نبنى مصر من جديد، فمن المؤكد أن سلوكاً كهذا لم يعد يليق بنا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة