الآن، وبعد انتهاء كتاب أسامة بن لادن بالقتل على أيدى عناصر أمريكية فى باكستان، يمكننا أن نتحدث عن النموذج الذى كان يمثله والغايات التى كان ينشدها وحساب المكاسب والخسائر بعد أكثر من عقدين فى مواجهة "قوى البغى والعدوان الكافرة "، كما كان يسميها.
أسامة بن لادن الشاب الخجول المنحدر من عائلة سعودية شديدة الثراء، يقرر أن ينفصل عن العائلة ويوظف ميراثه الذى بلغ عشرات المليارات من الدولارات فى حرب جهادية، ضد قوات الاتحاد السوفييتى الملحدة التى دنست أراضى أفغانستان الإسلامية.
لم يكن الشاب بن لادن يدرى وهو يوظف جزءاً من ثروته الطائلة لاستقدام المجاهدين من شتى البلاد العربية والإسلامية لمواجهة الروس الملحدين ، ولنصرة إخوانه المسلمين الأفغان، لم يكن يدرى أنه مجرد ترس فى آلة كبيرة تديرها بلاده تنفيذاً للمخططات الأمريكية الرامية إلى صناعة "فيتنام" جديدة ، على مقاس الاتحاد السوفيتى، العدو الأول فى إطار الحرب الباردة بين قطبى العالم آنذاك.
بن لادن الذى تلبسته روح دون كيشوت أراد أن يعيد تاريخ المجاهدين المسلمين الأوائل فى مواجهة البرابرة المغول وبهذه الروح حارب السوفييت فى أفغانستان ، ثم عاد إلى بلاده التى كان يظنها قاعدة الجهاد المتقدمة، فوجدها محتلة بالقواعد الأمريكية، ووجد مشاة البحرية الأمريكية يهيمنون على الخليج بأسرة، عندئذ قرر دون كيشوت بن لادن أن يعاود جهاده ضد قوة البغى والعدوان، فكان أول صدام له مع النظام السعودى، بعد أن كان أحد أهم الوكلاء الجهاديين له فى الخارج، وهكذا بدأت رحلة اغتراب وجهاد دون كيشوت العرب، بتأسيس تنظيم القاعدة لمواجهة قوى الاستعمار الأمريكى على أرضه أو فى مصالحة الحيوية بالخارج، فبدأت سلسلة العمليات التفجيرية ضد مبنى القوات الجوية الأمريكية "بالخبر" السعودية، وتدمير برجى نيويورك فى 11 سبتمبر 2001، واستهداف عدد من السفارات الأمريكية فى أفريقيا وغيرها من العمليات، عبر أفرع وأذرع للقاعدة فى المغرب والعراق واليمن، حتى أصبحت "القاعدة" المنظمة الأكثر تهديداً للمصالح الغربية خلال النصف الثانى من القرن العشرين ومطلع الألفية الثالثة.
فى المقابل، جر بن لأدن وأمته الويلات والخسائر التى لا تقدر، فبعد "غزوة البرجين "بحسب تسمية القاعدة" أصبحت السيادة العربية ومحيطها الإسلامى فى خبر كان، وظهر إلى العلن المبدأ الأمريكى "من ليس معى فهو ضدى " الأمر الذى أدى إلى استباحة الأجواء والمياه العربية، ونشر قوات أمريكية غير محدودة العدد بدول الخليج ووضع اليد على الأرصدة الخليجية فى الولايات المتحدة بل وفى أوروبا، واستباحة الثروات العربية وخصوصاً النفط!.
الشاب الثرى الرومانسى أسامة بن لادن، نفذ أحد أكثر الأحلام فى السينما الأمريكية إغواء بأن يصبح سوبر مان جهادى يقاوم بمفرده بمواجهة أعتى قوى الشر فى العالم، وهو موقن بأنه قادر على الانتصار عليها، لكنه لم يفكر لحظة فى الذين سيدفعون فاتورة أحلامه الرومانسية المستحيلة، فكان أن دفعها ملايين الضحايا فى العراق وغيرها من البلدان العربية والإسلامية ودفعتها أمته كلها من مقدراتها ومستقبلها!
السؤال الذى كان ومازال يراودنى، لماذا لم يفكر بن لادن فى مواجهة قوى الشر الأمريكية والغربية على طريقة اليابان بعد الحرب العالمية الثانية؟
ربما تتعلق إجابة السؤال بنموذج للتفكير البدائى البسيط كان بن لادن أسيراً له، مثلما يعانى منه كثير من القوى السياسية الرائجة حالياً فى بلادنا العربية، لكن لذلك موضعاً أخر وحديثاً أخر.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة