◄◄ محكمة الاستئناف تؤكد أن الأرض هى وقف سيدى جابر الأنصارى منذ 125 عاماً.. و«الأوقاف» تتقاعس عن المطالبة بحقها.. ومندوب ورثة «سموحة» يظهر فى الصورة
الصراع على ملكية أراضى سموحة بالإسكندرية بين وزارة المالية ممثلة فى جهاز تصفية الحراسات من جهة، ووزارة الأوقاف من جهة أخرى، يكشف مخالفات قانونية وسياسية لكل من الوزير السابق يوسف بطرس غالى ووزارة الأوقاف، ويستحقان عليها حسابا بنفس المستوى (حسابا سياسيا وقانونيا)، حيث إن مجرد دخول جهاز تصفية الحراسات فى تلك القضية يصب لصالح ورثة اليهودى البريطانى جوزيف سموحة، كما أن تقاعس وزارة الأوقاف فى اتخاذ بعض الإجراءات القانونية يقود الأرض إلى ذات المصير.. وتؤكد أحداث ووقائع الصراع حول هذه الأراضى أن من لا يملك- وهو هنا وزارة المالية- يعمل لصالح من لا يستحق، وهم ورثة اليهودى البريطانى جوزيف سموحة الذين أرسلوا مندوباً عنهم يدعى سعيد عبدالرحمن ليطالب بإخلاء الأرض المقامة عليها شركة المستودعات، وتبلغ مساحتها 10 آلاف متر، وهو ما يحقق فيه النائب العام حالياً، ليدخل الصراع مرحلة جديدة ويتخذ منحى جديدا.
وكشفت حجج ملكية الأرض والأحكام القضائية بشأنها، والتحركات الجديدة لورثة جوزيف سموحة، أن القضية تتجاوز فكرة النزاع على ملكية قطعة أرض بين أطراف مختلفة.. فالأرض فى الأصل ملكية خالصة لوزارة الأوقاف، حيث تعود قصة الأرض إلى أكثر من قرن من الزمان، حين كانت تلك الأرض التى يطلق عليها حالياً «أراضى سموحة» ضمن وقف سيدى جابر الأنصارى، والتى كانت مؤجرة لآخرين.
وتعود بنا مستندات هذه الأراضى- التى حصلت عليها «اليوم السابع» وتتعدى المائة صفحة- إلى ما قبل نحو 125 عاماً، حيث تذكر الحجة الشرعية رقم 139 سجل 463 لسنة 1272 هجرية، أن أرض منطقة سموحة ملك وقف سيدى جابر الأنصارى، حيث كانت محكرة (مؤجرة) منه لأحمد باشا رفعت، وفق الثابت بالحجة، والعقد رقم 3630 لسنة 1888م، وآلت الأرض بعد وفاته لإبراهيم باشا، ثم ورثته من بعده وهم الأمير محمد على، والأمير عمرو إبراهيم، والأميرة عين الحياة، الذين قاموا بالتصرف بالبيع فى بعض المساحات منها إلى اليهودى جوزيف سموحة.. وهذا يعنى أن الأرض لا يملكها سموحة وورثته، لأنها فى الأصل كانت «محكرة»، وهو ما يعنى أيضاً عودتها لمالكها الأصلى، وبطلان جميع التصرفات التى تمت على الأرض، أى أن الأرض ملكية خالصة لمصريين، وهو ما أثبته القضاء المصرى بعد سنوات من الصراع.
وبداية الصراع على الأرض تعود إلى عام 1956 عندما فرضت الحراسة بأمر عسكرى رقم 5 و5 ب لسنة 1956 على جوزيف سموحة وأسرته على أساس أنه مالك لأرض سموحة، على أرض جملة مساحتها 678 فداناً و15 قيراطاً و15 سهماً، حيث تصرف سموحة بالبيع فى مساحة قدرها 91 فداناً و2 قيراط و15 سهماً قبل فرض الحراسة، وتنازل عن مساحة 184 فداناً و13 قيراطاً و8 أسهم لبلدية الإسكندرية لتقسيم الطرق والشوارع بالمدينة، وهو ما يعنى تبقى مساحة 492 فداناً صافى الأطيان التى تم فرض الحراسة عليها.
وفى عام 1957 قامت الحراسة ببيع مساحة قدرها 441 فداناً و7 قراريط و20 سهماً للجمعيات التعاونية للإصلاح الزراعى، ولم يتبق سوى 51 فداناً تحت يد الحراسة، وبموجب اتفاقية التعويضات التى وقعتها الحكومتان المصرية والبريطانية، تم دفع تعويض قدره 27.5 مليون جنيه إسترلينى للحكومة البريطانية لتعويض من تم فرض الحراسة عليهم.
ورغم دفع الحكومة المصرية للتعويضات فإنه عام 1971 سلمت الحكومة المصرية مساحة 37 فداناً لعائلة جوزيف سموحة، وقامت مصلحة الضرائب بالحجز على مساحة قدرها 12 فداناً و18 قيراطاً و19 سهماً، وباعتها وفاء لدين على جوزيف سموحة لمصلحة الضرائب، إلا أن ورثته رفعوا قضية على وزير المالية، وحكمت المحكمة ببطلان الحجز.
وظل الوضع على حاله لسنوات حتى أواخر التسعينيات عندما أقام ورثة سموحة المدعوان ريتشارد اسكيل سموحة، ودريك موريس سموحة، برفع دعوى 146 قيم، تمت إحالتها إلى محكمة الاستئناف برقم 3988 لسنة 56 ق، ضد وزارة الأوقاف اعتراضاً على بناء عمارة على أرض تدخل فى ملكيتهم ضمن مساحة قدرها 3 أفدنة و2 قيراط و21 سهماً، وكانت هذه القضية هى بداية إثبات عدم ملكية سموحة لأرض الإسكندرية.
وتداولت القضية لسنوات وتداخلت فيها المرحومة زينب على حسين البنداق باعتبارها أحد ورثة الشق الأهلى فى أرض وقف سيدى جابر الأنصارى، متضامنة مع وزارة الأوقاف، ومن بعدها ورثتها الذين مثلهم فى القضية نجلها حسين محمد بسيونى.
وظلت القضية لسنوات حتى صدر حكم الاستئناف القاطع برفض دعوى ورثة سموحة، والتأكيد على ملكية الأرض المتنازع عليها ضمن مسطح أكبر لوقف سيدى جابر الأنصارى، وبطلان جميع التصرفات التى قام بها جوزيف سموحة سواء بالبيع أو الهبة للأرض، باعتبارها حكراً ويجب أن تؤول لمالكها الأصلى، وهو ما يعنى ملكيتها للأوقاف فى الشق الخيرى منها، ولورثة المحكر فى الشق الأهلى منها.
ورغم صدور هذا الحكم القاطع والواجب النفاذ عام 2006، فإن وزارة الأوقاف لم تتحرك لطلب تمكينها من الأرض، وفى المقابل حاربت وزارة المالية ممثلة فى جهاز تصفية الحراسات لصالح ورثة جوزيف سموحة، وهو ما يؤكده الخطاب الموقع من وزير المالية السابق يوسف بطرس غالى والمرسل إلى اللواء عادل لبيب عام 2007 يطالبه فيه بالتوقف عن سحب تراخيص البناء الممنوحة للمتعاملين على قطع الأراضى الكائنة بمنطقة سموحة باعتبارها مملوكة للجهاز، طبقاً لما ورد بالتقرير الفنى للهيئة العامة للمساحة الصادر فى 2005، أى قبل حكم الاستئناف، وهو التقرير نفسه الذى رفضه حكم المحكمة.
هذا التشدد من قبل وزارة المالية لإثبات ملكية الأرض لورثة سموحة، ومن ثم شرعية فرض الحراسة عليها، أثار تساؤلات عديدة حول أسباب صراعها مع وزارة الأوقاف حول الأرض وإصرارها على عدم ملكيتها، وهو التساؤل نفسه الذى حمله خطاب هيئة الأوقاف لمحافظ الإسكندرية السابق أيضاً فى عام 2007 متسائلاً: «ما مبرر جهاز تصفية الحراسات لاتخاذ هذا الموقف العدائى المتشدد مع أملاك الوقف الخيرى؟»، مضيفاً أنه من صالح الجهاز الإقرار بملكية الهيئة لأعيان الأرض، أو على الأقل عدم الإقرار بملكية أى من الطرفين إلا بعد صدور أحكام نهائية.
ويؤكد خطاب هيئة الأوقاف للمحافظ أنه من مصلحة ورثة «سموحة» أن يقوم جهاز تصفية الحراسات ببيع أى مساحات من الأرض تدعى أنها كانت ملكاً لمورثهم جوزيف سموحة، لأن هذا التصرف يثبت ملكيتهم للأرض، كما أنه مستند لهم لطلب التعويضات، وهو ما يفسر عدم تدخلهم لوقف أى مزادات على أراضى سموحة حسب نص الخطاب.
عدد الردود 0
بواسطة:
زياد الحسينى
معلومات