◄◄ فى عهد مبارك.. انتقاده خط أحمر.. واليوم أصبح انتقادنا للثوار خطا أحمر
منذ أن انفجرت أمام وجوهنا أرقام المليارات فى أعقاب ثورة 25 يناير، ولا تزال الحكايات تتصارع فى الصحف ووسائل الإعلام.. ولا نعرف حقيقتها ما بين الواقع والخيال حتى لقد تحولت إلى ما يشبه الفانتازيا، خاصة أن البيانات الواردة جميعها لا ترقى إلى مستوى المصداقية، ولهذا يبقى كل ما يقال مجرد تكهنات وترويج لسيل من البلاغات المتبادلة، وأغلبها ينتمى إلى تصفية الحسابات والتشفى من آخرين، وكثير من هذه البلاغات يتصل بنزاعات قديمة.. ولكن بعيداً عن كل هذه الاقتراحات المطروحة.. فإن الواقع يقول إن حال البلد لا يسر عدواً ولا حبيباً.. فالأمور ازدادت تعقيداً، والقضايا تشابكت وعناصر الفوضى تسيدت، والناتج هو المزيد من الخوف نحو عدم الاستقرار.. وأيضاً المزيد من الأزمات الاقتصادية، وقد تعاقبت توابعها يوماً بعد يوم.. حتى صارت غير مسبوقة.. بعد أن أصبح الفائض من اقتصادنا فى خطر داهم.. وبدأ السحب من الاحتياط يثير أزمات منتظرة، خاصة أننا لا نمتلك ثروات طبيعية مثل البترول.. وليس لدينا سوى مصادر ثابتة علينا الحفاظ عليها، والاعتماد على تفعيلها مثل السياحة وقناة السويس، ولو حدث أى هبوط فى أى مصدر من هذه المصادر سيكون السقوط مدوياً.. ورغم حاجتنا إلى العمل المكثف ودعم الشباب وتحفيزهم لتعويض ما فاتنا من خسائر فادحة نتيجة التوقف عن العمل منذ ثورة 25 يناير فى كل المجالات.. فإن الموجود هو شحن جموع الشعب بهذه الشائعات حول المليارات.. وسماسرة البنوك العالمية التى تعمل على إخفاء الأموال الخارجية من مصر وكتابتها بأسماء أخرى.. كثرت الحكايات وانتشرت، ولا أحد يعرف أين الحقيقة.. وهل هذا الحجم من المليارات مبالغ فيه؟.. كنا نعرف أن هناك أموالا مهربة.. وأن هناك تجاوزات زادت على الحد بل على الخيال.. ولكن أن يصل الأمر إلى هذا الوضع الذى تحول إلى كوميديا سوداء، فإن الناتج خطير، خاصة أن الإعلام فتح الأبواب على مصراعيها لكل التكهنات والتخمينات والشائعات، لأنه فى أعقاب حبس الرئيس السابق محمد حسنى مبارك ونجليه، علاء وجمال، فى قضايا فساد مختلفة من بينها التورط فى التحريض على قتل المتظاهرين فى موقعة الجمل.. هذا الموضوع فتح المجال لكثير من وجهات النظر، فقد رأى كثيرون أن العدل هو محاكمة حسنى مبارك مهما كانت الظروف، لأن القضية تتعلق بمستقبل الأجيال.. وضياع ثروات البلد وتمزيق المؤسسات بعد أن استشرى الفساد فى كل المجالات.. وقد أعلن أصحاب هذا الرأى الذى لا يقبل العواطف أنه لا تهاون مع من دمروا وخطفوا مصر.. وسلبوا ثرواتها.. أما الرأى الآخر فهو يطالب بالعفو عن الرئيس السابق لظروفه الصحية.. ومن الإنسانية معاملته معاملة أخرى، ولعل هذه الرؤية تتفق مع ما تردد عن المملكة العربية السعودية، التى تسعى لتقديم مجموعة من المساعدات السخية والمنح لرفع مستوى الاقتصاد المصرى.. فى مقابل العفو عن الرئيس السابق مبارك.. وقد كانت علاقة مبارك بالأسرة المالكة، السعودية قوية جداً، منذ عهد الملك فهد رحمه الله وصولاً إلى جلالة الملك عبدالله عاهل السعودية، وهناك شىء من الاحتقان فى الشارع السعودى ضد حبس مبارك، وهناك شىء من الغليان أيضاً فى السعودية.. وترددت أنباء عن ذهاب رئيس الوزراء ومن قبله وزير الخارجية إلى السعودية للوصول إلى أفضل اتفاق.. وهذه الأقاويل صدقت أو اقتربت من الحقيقة.. فهى تتردد على كثير من العقول والقلوب المصرية.. وبعضها يؤكد أن المهم لدى الشعب المصرى هو عودة الثروات المهربة وهى أهم عند الجميع من محاكمة مبارك.. وهذا لا يتنافى مع العدالة.. وإن كان البعض يردد سؤالاً: هل عرض السعودية هو نوع من الفدية لمبارك؟.. الأمر يحتاج إلى دراسة وإلى تأنٍ فى اتخاذ القرار، قبل أن تحيطنا المتاهات من كل جانب وتصبح الشائعات هى القاسم المشترك الأعظم والحقيقة أن ما يحدث فى كثير من الأحيان يصبح كالسراب، لا يكاد يظهر ويقنعنا حتى يختفى ويمتد بنا إلى التيه والضياع.. فإذا كان الثابت أن المتهم برىء حتى تثبت إدانته.. فإن الواقع الذى يروجه أغلب الإعلاميين هو أن الكل متهم.. لقد تحول «بورتو» طرة.. إلى لغز كبير يحتاج إلى فك أسراره وإلى الكثير من السيناريوهات التى تسعى للخروج من الأزمة فلو احتكمنا إلى العقل نرى أن بورتو طرة يضم ثروات تتجاوز خمسين مليار جنيه، ومن شأن هذه الأموال أن تنعش الدولة، وقد تفاقمت الأزمات وزاد الغلاء حتى وصلت أنبوبة البوتاجاز إلى أربعين جنيها.. بعد أن تردد أن السعودية أوقفت الغاز عن مصر كنوع من الضغط على مصر للوصول إلى رغبتها.. أياً كانت الوثائق والحقائق والخيالات فإن العناصر جميعها قد اختلطت وتبادلت الاتهامات، وواضح أن الحقيقة تساوى صفراً.. هذه هى مفردات قضايا متناثرة لا تجد من يربطها أو يرميها فى سلة المنطق لأن الشىء الواضح هو الضبابية والاستبداد بالرأى.. فهل تحولنا إلى نفس السلبية التى عانينا منها فى عهد مبارك؟.. حيث كان انتقاده خطا أحمر. اليوم أصبح الحديث عن الثورة أو انتقادها خطا أحمر.. لا أحد اليوم يمكنه أن ينتقد الثورة وهذا خطر كبير.. لأن ذلك يحول الأحداث اليومية إلى خوف ممتد، وإلى غد مجهول المعالم لا تعرف فيه أى وضوح.. إننا اليوم بعيدون، لا نزال نبحث عن اليقين، وقد تحول إلى ما يشبه المستحيل.. قمر تائه فى صحراء نحيبنا اليومى.. وسفينة الأمل توقفت فى الرمال، وتاه معها الاتجاه السليم.. ليس أمامنا سوى الانتظار.. والعمل فى صمت.. حتى نجتاز الكارثة.. لك الله يا مصر!!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة