إذا بحثت عن تعريف للدبلوماسية فسوف تقرأ فورا تعريف ارنست ساتو: "إن الدبلوماسية هى استعمال الذكاء والكياسة فى إدارة العلاقات الرسمية بين حكومات الدول المستقلة"، وتعريف "هارولد نيكلسون" الذى يقول إن: "الدبلوماسية هى إدارة العلاقات الدولية عن طريق المفاوضات أو طريقة معالجة وإدارة هذه العلاقات بواسطة السفراء والممثلين الدبلوماسيين فهى عمل وفن الدبلوماسيين"، وحتى لا نتهم بأننا نميل إلى الغرب نسوق تعريف "مأمون الحموي"بأن "الدبلوماسية هى ممارسة عملية لتسيير شؤون الدولة الخارجية وهى علم وفن علم ما تتطلبه من دراسة عميقة للعلاقات القائمة بين الدول ومصالحها المتبادلة ومنطوق تواريخها ومواثيق معاهدتها من الوثائق الدولية، فى الماضى والحاضر وهى فن لأنه يرتكز على مواهب خاصة عمادها اللباقة والفراسة وقوة الملاحظة".
وقديما قال الخليفة الراشد "عمر بن الخطاب" ناصحا رجاله الذين كان يوفدهم من قبله، كما لو كان يشرح بعض الأسس التى يجب أن يكون عليها الدبلوماسى "فإذا دخلتم، قدموا أحسنكم وجها، وأرجحكم عقلا، وإذا نطقتم ميزتكم ألسنتكم، فاجتهدوا فى أن يكون ذلك الواحد راجح العقل وسيماً، جسيماً، يملأ العيون المتشوقة إليه، فلا تقتحمه، ويشرف على تلك الخلقة المتصدية فلا تستصغره"، ومن المعروف ذلك القول الذى مله الجميع عن أن الدبلوماسية: "هى كلمة يونانية اشتقت من كلمة دبلوم أو دبلون ومعناها طبق أو طوى أو ثنى فلقد كانت تختم جميع جوازات السفر ورخص المرور على طرق الإمبراطورية الرومانية، و قوائم المسافرين والبضائع على صفائح معدنية ذات وجهين مطبقين ومخيطين سوياً بطريقة خاصة وكانت تذاكر المرور هذه تسمى دبلومات واتسعت كلمة دبلوما حتى شملت وثائق رسمية غير معدنية وهى التى تمنح المزايا أو تحتوى على اتفاقات مع جماعات أو قبائل أجنبية".
لما كان كل ذلك ينسف كل ما حدث فى مدينة "بنغازى" بعد عشرة أيام من انطلاق ثورة 17 فبراير فى ليبيا فى مبنى القنصلية المصرية فى "بنغازى" من القنصل المصرى (لن أّذكر اسمه تصغيرا لشأن هذا الشخص الذى يشغل منصب قنصل مصر فى ليبيا) فقد أرسل هذا الشخص/القنصل اثنين من معاونيه إلى بعثة الإغاثة والمساعدات الطبية فى خيمة البعثة الطبية فى ميدان الشهداء (المحكمة سابقا) يطلب مقابلتهم، فذهب بعض أفراد البعثة (وكانوا كلهم من الذين اشتركوا فى المستشفيات الميدانية فى ثورة 25 يناير فى قلب ميدان التحرير) يتقدمهم أكبرهم سنا ومقاما وخبرة الدكتور "أسامة" وكان معهم بعض الأفراد الليبيين من الذين تعرفوا عليهم وصادقوهم وقدموا لهم كرمهم، وبادرهم القنصل المصرى وهو يأمرهم بالعودة فورا إلى مصر وأنه سوف يجهز لهم حافلات تعيدهم إلى مصر فورا، فأفهم شباب ثورة 25 يناير بأنهم جاءوا إلى "بنغازي" و"أجدابيا" و"البريقة" لتقديم المساعدات الطبية والاشتراك فى إغاثة أشقائهم الليبيين الذين يتعرضون للإبادة الجماعية من كتائب "القذافى"، وهنا اندفع القنصل الذى يمثل الحكومة المصرية بعد الثورة بالصراخ والتهديد قائلا بالحرف الواحد: "يكون فى علمكم أنا صديق كل قيادات اللجان الثورية فى بنغازى (وهم المسلحون من قبل القذافى ومازالوا هم الطابور الخامس الذى يقتل ثوار 17 فبراير فى ليبيا حاليا) وأقدر أخلى اللجان الثورية يلموكم كلكم ويضربوكم ويرموكم على الحدود". كاد الأفراد الليبيون المتواجدين أن يفتكوا بالقنصل لكن شباب الثورة المصرية استطاعوا حمايته وصحبوا أصدقائهم الليبيين وعادوا من حيث أتوا إلى مستشفاهم الميدانى وخيمتهم فى ميدان الشهداء.
هذه الواقعة التى كنت شاهدا عليها، حيث كانت هذه هى المرة الأولى فى حياتى التى أدخل فيها مبنى قنصلية (أو سفارة) مصرية، هذه الواقعة تجعل كل من يتأمل وضع وزارة الخارجية قليلا يرى مدى التردى الذى وصل إليه حالها وسوف نعود إلى هذا الأمر بعد ذلك، وإن كان هذا التردى الذى استمر طوال 42 عاما ليشمل عهد الرئيس الأسبق (المقتول) وعهد خلفه الذليل (المخلوع) هو الذى أدى إلى ترشيح الدكتور "مصطفى الفقي" لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية خلفا لعمرو موسى، الذى ستنتهى فترة ولايته الثانية فى شهر مايو المقبل ، وقال الدكتور نبيل العربى (زميل السادات فى كامب ديفيد) وزير الخارجية فى تصريحاته، إن "تاريخ الفقى الدبلوماسى والعلمى يجعله المرشح الأنسب لشغل هذا المنصب فى هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ جامعة الدول العربية"، ورحب "المجلس المصرى للشؤون الخارجية" بالقرار، داعيا الدول العربية إلى تأييد المرشح المصرى لـ"إسهاماته الفكرية حول القضايا العربية"، وقال المجلس فى بيانه: "نرحب بهذا الترشيح، خاصة فى هذا الوقت الذى تمر به الأمة العربية بأحداث تحتاج إلى الجامعة العربية لتحقيق الوفاق القومي، ومواجهة التحديات". غير أن ناشطين مصريين أعلنوا رفضهم ترشيح السلطات المصرية للدكتور "مصطفى الفقي" لمنصب الأمين للجامعة العربية، متهمين إياه بأنه جزء من النظام السابق وأحد رموزه ولا يعبر عن مصر ما بعد الثورة.
وجاء فى بعض البيانات لإحدى الحركات المكونة لائتلاف شباب الثورة، فى بيان لها بأنها تعبر عن رفضها التام وتحفظها على طرح اسم مصطفى الفقى مرشحا مصريا لجامعة الدول العربية، وقالت فى بيانها: "لا نقبل أبداً من حكومة تمثل الثوار والثورة وشرعيتها أن ترشح شخصية عاشت ورضيت وخدمت فى نظام الفساد والفشل على مدى أعوام ليمثل مصر كأمين عام لجامعة الدول العربية".
وسوف نأخذ ترشيح الحكومة المصرية للدكتور "مصطفى الفقي" أمينا لجامعة الدول العربية على محمل الجد، مع أنى لم آخذ "مصطفى الفقى" نفسه بجدية طوال عمره، وكنت أعتبر كل ما يقوله أو يكتبه دائما مبررا للتسلق على سلم السلطة- أية سلطة - منذ أن حصل على "كأس الخطابة" سنة 1965 فى أسبوع شباب الجامعات . ثم عمل "الفقي" سكرتيرا لرئيس مصر السابق "المخلوع" للمعلومات فيما بين 1985 ،1992 وأحد المتحدثين الأساسيين قى الجلسة الافتتاحية للمنتدى الدولى قى "دافوس " بسويسرا قى يناير 1995، فقد كان –دائما- يسهب ويطنب ويجلجل عن العروبة التى كان يقودها "زعيم الأمة العربية" جمال عبد الناصر وبعد ذلك عن "حكمة الرئيس المؤمن "أنور السادات" ثم اكتشف قبل ثورة 25 فبراير المجيدة "أن الرئيس مبارك لم يُقدم إعلاميا للمصريين بالشكل المناسب، وهو ليس كما يقول خصومه، وهو شخص بسيط ورجل وطنى من الطراز الأول "، ويقدم اكتشافه الأهم أن: "الرئيس القادم لمصر لابد أن يكون بموافقة أمريكية وإسرائيلية"، وبالتأكيد فإن "الفقي" مازال عند قناعته بأن الرئيس القادم لمصر سوف يأتى بموافقة أمريكية وإسرائيلية، حيث كانت الاتهامات قد انهالت من أقطاب الحزب الوطنى (الحاكم سابقا والفاسد حاليا وسابقا) وكتابه الذين كانوا هم المتنفذين على رقاب الصحف والمجلات القومية، الدكتور "مصطفى الفقي" رئيس لجنه العلاقات الخارجية بمجلس الشعب المصرى (سابقا)، وهو عضو مجلس الشعب عن انتخابات سنة 2005 عن دائرة "دمنهور" وكان قد أعلن سقوطه قى الانتخابات بادئ الأمر ثم أعلن فوزه بعد ذلك، وثار لغط كبير بسبب شهادة المستشارة "نهى الزيني" التى أيدها نادى القضاة و137قاضيا بأن إجمالى عدد الأصوات كان لصالح منافسه "د. جمال حشمت" المرشح المستقل، أما السبب الذى جعلنى آخذ ترشيح "الدكتور" الآن على محمل الجد فسوف يتضح حالا:
الدكتور "الفقي" رئيس لجنة العلاقات الخارجية فى البرلمان (سابقا)، كان قد اعترف فى خطبته العصماء أمام اللجنة بتراجع "دور مصر الإقليمي" وبرر هذا بأنه "قرار إرادي" أى أنه تم بموافقة القيادات السياسية فى مصر، والعهدة فى ذلك على الصحف القومية، حيث أضاف "الفقي" فى محاضرته بمركز الدراسات الحضارية وحوار الحضارات التابع لجامعة القاهرة "أن العرب ينظرون للمصريين دائما على أنهم إما فراعنة أو عملاء لإسرائيل"، وأنه يعتقد أنه "لا مستقبل للعروبة، كما أن إيران تحاول وراثة الدور المصرى فى المنطقة"، واعترف الفقى أنه على الرغم من عدم إيمانه بالعروبة، إلا إنه مضطر "للهرتلة بكلمتين" فى المؤتمرات التى يدعى إليها للحديث عن الموضوع، وأكد أن مصر هى التى قررت ألا تحشر" نفسها فى أى شيء"، وهو هنا بالطبع يتحدث عن مصر/ نظام الحكم فى عهد المخلوع (لا أدرى كيف سيوافق العرب على رئاسة الفقى لجامعتهم ولا أدرى من أين أتت الشجاعة للحكومة المصرية لترشيح شخص مثل الفقي) الحكومة المصرية فى نظام الحكم فى عهد المخلوع كما يقول "الفقي" كانت السبب الوحيد لـ"تراجع دور مصر الإقليمى "فأنا أصدقه فيما قاله- ربما لأول مرة- فى قوله أن هذا التراجع هو "قرار إرادي" أى أنه تم بموافقة القيادات السياسية فى مصر" وأضيف عليه "مع سبق الإصرار والترصد" ففى كل عصور الانحطاط وفى ظل أى نظام حكم فاسد كان المد العروبى يتراجع دائما إلى أقصى درجات الجزر، ولم تجد "العروبة" من يدافع عنها فى مصر إلا فى فترة حكم "جمال عبد الناصر" حيث تبلور- فى هذه المرحلة من تاريخ مصر- دور مصر القومى والإقليمى والعالمي، وقبل فترة حكم "ناصر" لم تكن لمصر- طوال تاريخها- أية مساهمات فى القضايا العربية ولا حتى الحضارة العربية على شمولها، بالرغم من أن أمثال "الفقي" يرطنون باللغة العربية التى أهداها العرب إلى مصر فأصبح لمصر أدبا وأدباء ومفكرون عظام وأصبح وجود مصر متحققا فى اللغة العربية كما تتحقق شعوب كل الأمم فى لغاتها، وامتزج نهر الحياة فى مصر بأمواج الحضارة العربية التى ازدهرت على يد "الأمويين" وعاصمتهم "دمشق" والمؤسس الأكبر "معاوية بن أبى سفيان" حيث قال الحافظ بن كثير أن: "سوق الجهاد كانت قائمة فى بنى أمية"، ويعترف المسيحى "جورجى زيدان" بذلك فيقرر أنه: "لم يبلغ العرب من الغزو والسؤدد ما بلغوا إليه فى أيام هذه الخلافة، وقد تكاثروا فى عهدها ،وانتشروا فى ممالك الأرض"، ومن بعد "دولة الأمويين" جاءت "الدولة العباسية" وعاصمتهم "بغداد" عندما ظهر "أبو مسلم الخراساني" الإيرانى فى إيران يدعو لقيام دولة العباسيين، وبعده تمكن "العباسيون" من بناء دولتهم الذى سبب تغييرات و تطورات سياسيه و اجتماعيه و ثقافيه فى منطقة الشرق الأوسط، وفى الحضارتين كانت مصر مشاركة بالأخذ وليس بالعطاء ولم يكن لها أى دور بل كان الدور الرئيسى فى دعم الحضارة العربية إبان الدولة العباسية لـ"إيران"، ومصر لم تكن دولة محورية فى المنطقة منذ تلاشى دولة الفراعنة وبداية الفتح العربى لمصر منذ سنة 640 للميلاد حيث كانت مصر تئن تحت وطأة الحكم البيزنطى خاضعة مباشرةً للإمبراطور البيزنطى فى القسطنطينية، إلى أن خلصها العرب وتمت عملية غسيل الدم العربى للشعب المصرى وأهداها العرب اللغة/الوجود، كما أن مصر لم تكن دولة محورية إلا فى فترة المد العروبى أيام حكم "جمال عبد الناصر" حيث بدأ هذا الدور المحورى فى التآكل والضياع تحت حكم "السادات" إلى أن ضاع تماما هذا الدور المحورى تحت حكم نظام الحكم الحالي، فمصر- الآن- لم تعد دولة محورية فى خريطة الشرق الأوسط وأن سمعتها أصبحت على المحك مما سبب صعود قوى إقليمية منافسة لها مثل "إيران" فصوت مصر- كان تحت حكم نظام الحكم الفاسد فى عهد ماقبل ثورة 25 يناير- قد خفت ولم تعد مؤثرة فى مجريات الأحداث خاصة أن "إيران" قد أظهرت مهارة دبلوماسية عالية ودعما للمواقف العربية فى القضايا العربية التى تمس الوجود العربى فى مواجهة أمريكا وإسرائيل، فـ"إيران" كانت بالأمس دولة محورية وهى اليوم تحاول أن تظل كذلك هذا إن لم تكن هى "الدولة المحورية" فى المنطقة التى تواجه الأطماع الصهيونية والأمريكية فى المنطقة، ويكفى أن نراجع هنا بعض القضايا التى فشل فيها نظام الحكم الفاسد السابق، وقد أكد الدكتور "مصطفى الفقي" أن تراجع الدور المحورى لمصر تم بأمر النظام المصرى (السابق) نفسه عربيا وإقليميا ومهما حاولت "هرتلات" مصطفى الفقى وأقرانه تبريرات هذا الانهيار الذى يعكس بقوة بعض أسباب انهيار نظام الحكم الفاسد السابق، ومن المؤكد أن "مصطفى الفقي" سوف يحاول الحصول على كأس الخطابة فى خطبته العصماء لنظام الحكم الجديد فى المرحلة الانتقالية وحتى تتخلص الحكومة المصرية (بعضها خليط من نظام السادات المقتول، وبعضها خليط من نظام الذليل المخلوع) من إلحاح زميلهم السابق (وأستاذ بعضهم) مصطفى الفقى فقد أرادوا التخلص منه بإلقائه على جامعة الدول العربية كما فعل الذليل (المخلوع) قبل ذلك مع "عمرو موسى" الذى ظل بدوره أمينا ومخلصا لسيده (المخلوع) حتى اليوم، وإذا كان ميثاق الأمانة العام للجامعة العربية ينص فى مادته الثانية عشرة على أن تعيين الأمين العام للجامعة يتم بموافقة ثلثى الدول الأعضاء، وأن الجامعة تتلقى الترشيحات من الدول المختلفة وتقوم بعرضها فى مذكرة، ويتم إضافتها كبند خاص يعرض ضمن جدول أعمال القمة العربية المقبلة، حيث تقرر القمة تعيين الأمين العام للجامعة بموافقة ثلثى الدول الأعضاء، فهل تحاول الدول العربية الأعضاء فى الجامعة العربية إيقاف تصدير الفاسدين لرئاستها؟ أم أنها سوف تقبل "مصطفى الفقي" أمينا للجامعة العربية حتى تستمر الجامعة العربية بمباركة فساد الأنظمة العربية التى تقف بقوة هذه الأيام فى مواجهة شعوبها التى بدأ يتسرب لها "فيروس" الحرية؟ وسوف يكون هذا هو السبب الرئيسى فى (نجاح) مصطفى الفقى حتى لا تتكرر (شجاعة) عمرو موسى فى موقفه من نظام القذافى الذى غازل به الثورة المصرية فى انتهازية دبلوماسية عندما قرر ترشيح نفسه لرئاسة مصر ليرث تركة سيده (المخلوع)، وسوف يجد الفاسدون العرب فى "مصطفى الفقي" مرشحا مناسبا لجامعتهم فى هذه المرحلة يستطيع أن "يهرتل" بكل قوة وصلابة كثيرا عن العروبة والدور المحورى للطغاة العرب.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة