كان المشهد مهيباً، وكان أول علاقة مباشرة لى بالسياسة، كان الجسر الواسع بين عالمين، عالم ضيف بلا آفاق، والثانى رحب، يتسع لكل المظلومين، تعثرت الخطوات فيما بعد وتعددت المسارات، لكن بقى من المشهد المهيب أن هناك من هم مثلى فى كل مكان، مظلومين، باحثين عن العدل والحرية. كان المشهد فى قاعة النيل بوسط البلد، كانت تضامنة ضخمة مع لبنان بعد الغزو الصهيونى الغاشم لها فى عام 1982، وخروج قيادات الثورة الفلسطينية إلى تونس وعدد من العواصم.
أغانى لمرسيل خلفية وعلى الحجار وأشعار لأحمد فؤاد نجم، حشد نبيل من الفنانين والسياسيين والمثقفين، كان الزحام هائلاً، ولكنى نجحت مع أصدقائى فى أن نتبرع بدمائنا، كما حصلت على صور مروعة لمذابح صابرا وشاتيلا، اجتهدت فيما بعد فى توزيعها فى الجامعة وفى شارعنا. كانت بيروت الجريحة رمزاً لصمود أسطورى فى مواجهة الاحتلال الإسرائيلى، لكنها لم تكن هذا فقط. فهذا البلد البديع، كان يحاول الصمود فى مواجهة قوى كبرى وقوى عربية تتصارع على أرضه. فقد جعلته الصدفة الجغرافية على مرمى نيران، فى الأغلب الأعم لا علاقة لها بها، ولكنها الحروب التى لا ترحم.
صدفة سكانية جعلته يتكون من طوائف دينية وعرقية، تحولت إلى تكتلات سياسية وهذه مصيبة، ولكن ربما تكون من جانب آخر منحته حرية عرفية أوسع بكثير من الحريات من المحيط إلى الخليج، لكن حتى كل ذلك تلخيص مخل لعبقرية هذا البلد، الذى قدم لمصر على سبيل المثال رواداً عظاما فى الصحافة منهم تقلا الذى أسس الأهرام، وجورجى زيدان الذى بنى دار الهلال. وقدم فى الفن فيروز وصباح وفريد الأطرش وغيرهم مئات. إنها التركيبة السحرية التى جعلت لبنان حالة متفردة فى محيطها، حالة من إبداع الأناقة والجمال وحب الحياة، حالة ألمسها الآن فى بيروت.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة