مازال يحرص الكثير من القوى السياسية والحزبية اليسارية والعلمانية، بالرغم من قيام ثورة 25 يناير، وما أحدثته من تناغم وطنى بين اليسار واليمين والليبراليين، على إثارة المخاوف من التواجد للفصائل الإسلامية على الساحة السياسية، وخاصة الإخوان المسلمين، مستغلين موضوع الدولة الدينية والمدنية، ويحاولون دومًا أن يخلطوا الأمور ويلصقوا بالمشروع الإسلامى الإصلاحى المستنير نموذج الدولة الدينية الغربية، التى كفر بها كل الإصلاحيين فى العالم؛ لكن الواقع والتاريخ، يؤكد للبشرية أن الدولة الإسلامية وفكرتها قامت فى مجملها على أسس الدولة المدنية، واعتمدت فى مرجعيتها على الهوية الإسلامية والدليل على ذلك:
إن الإسلام أقام دولته على المؤسسية التى هى أهم أسس الدولة المدنية، فقد نجح الرسول الكريم محمد- صلى الله علية وسلم- فى أن يرسخ دولة المؤسسات، وأن يهيكل حكومته على اختيار الأصلح، ورسخ مبدأ الشورى الملزمة التى لا تختلف مع معانى الديمقراطية الحالية، وخلّص العرب من العشوائية السياسية والقبلية التى تتنازع على أتفه الأسباب، وكلنا يعلم كيف كانت أحوال العرب سياسيا واجتماعيا واقتصاديا قبل بعثة الرسول الكريم.
إن التشريع الإسلامى وضع نظاما متكاملا لأسس الحياة، ووضع الخطوط العريضة للتعاملات، ورسخ المبادئ والأخلاقيات التى ترتفع وتسمو بالإنسانية، وأعطى الفرص للبشر أن ينظموا حياتهم بما يتناسب مع تطورات العصر، فالتشريعات الملزمة مثل الحدود والفرائض والحلال والحرام لا تزيد على نسبة 40 % من مجريات الحياة، بينما نجد أن هناك 60 % من تنظيمات الحياة البشرية، تقع تحت مظلة المصالح المرسلة التى ترك الله لعباده تنظيمها بالطبع بما لا يخالف مبادئ العدل والمساواة وتكافؤ الفرص، مع العلم أن الأصل فى كل أمور الحياة الإباحة إلا ما جاء فيه نص.
أقر الإسلام الحرية الشخصية بمختلف درجاتها، لكنها مشروطة بالحفاظ على حرية الآخرين، ومبادئ المجتمع التى يتبناها، كما يقر المشروع المدنى الإسلامى حرية الاعتقاد ومبدأ المواطنة، فها هو النبى الكريم منذ الوهلة الأولى يحافظ على النسيج الوطنى لدولته بالمدينة ويوقع وثيقة مدنية من الطراز الأول، أقرت حقوق المخالفين له فى الاعتقاد، ووقع معاهدات مع اليهود من أجل دمجهم فى المشروع المدنى الإسلامى الذى تمتعوا من خلاله بكل مبادئ المواطنة، وظل المسلمون محافظين على عهودهم حتى نقض اليهود عهودهم.
كما أقر المشروع المدنى الإسلامى الحرية العلمية، ولاقى العلماء فى ظل هذا المشروع كل المساعدة والتقدير، فما سمعنا عن عالم قُتل بسبب اختراع له كما فعل الغرب مع علمائه فى العصور المظلمة، لكن سمعنا عن الخلفاء الذين وصل تشجيعهم للعلماء، أن تصل عطاياهم لهم لأن توزن مؤلفاتهم بالذهب كما حدث فى العصر العباسى الثانى، بل أقر النبى الكريم هذه الحرية بموقفه من أمر النخيل فى المدينة؛ حيث استشاروه وأمرهم الرسول بمعالجة للنخيل تخالف معالجتهم المعتادة، وعندما لم تأت الثمار المطلوبة؛ علمهم النبى درسا مهمَّا أقر به الحرية العلمية؛ حيث أطلق الرسول كلمته المشهورة «أنتم أعلم بشؤون دنياكم» أى فتح باب الاجتهاد العلمى على مصراعيه أمام المسلمين، وطالبهم بتفعيل نعمة العقل.
كما أقر المشروع المدنى الإسلامى مبدأ أصيلاً من مبادئ الدولة المدنية وهو مبدأ المحاسبة لكل من تولى منصبا عامًّا، فنجد الرسول الكريم يحاسب عماله على الأمصار، ويرفض أن يقبلوا الهدايا، ويعزل من يتكسب من منصبه، ولعل موقفه مع أحد عماله عندما قبل الهدايا كان واضحًا وضوح الشمس عندما قال الرجل للرسول: هذا المال لكم، وهذا المال لى؛ فقد أُهدى إلى. فما كان من النبى إلا أن زجره، وقال: «هلا جلست فى بيت أبيك وبيت أمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقاً»، وعلى هذا الدرب سار الخلفاء وعلى رأسهم عمر بن الخطاب، فكان سنويا يقوم بمحاسبة أمراء الولايات فى موسم الحج، إنها الشفافية والعدالة التى تمتعت بها الدولة المدنية الإسلامية، هذه بعض الدلائل على مدى مدنية فكرة الدولة الإسلامية. > >
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة