تقابلت مع أحد القيادات السياسية الذى حاول أن ينال من جريدتى "اليوم السابع"، مستغلاً ذلك التسجيل المباحثى الذى بثته بعض مواقع الإنترنت للزميل خالد صلاح، مؤكداً لى أن الموقع تعامل بشكل مهنى محترم مع كل القضايا، لكن هناك خفايا كثيرة أظهرها هذا التسجيل، مضيفاً أنه يرجو أن يعتذر "اليوم السابع" لقرائه عن هذه الخفايا التى ستنال منه.
وأنا لن أعلق على هذه المكالمة التى أفاض رئيس التحرير فى الرد عليها، لكن أريد فى هذا المقال أن أظهر له وللقراء لو سمحوا لى، أيضا بعض الخفايا الحقيقية، التى تؤكد مدى تحمل "اليوم السابع" للضغوط المختلفة سواء السياسية أو الأمنية، وعلى الأخص رئيس تحريره الزميل خالد صلاح، وسعيه الدءوب للمحافظة على مهنيته وتأدية رسالته، فمنذ اليوم الأول من انضمامى لـ "اليوم السابع"، وأنا أغلب المهنية بكل أشكالها، ولم تؤثر أيدلوجيتى وانتمائى الفكرى لجماعة الإخوان المسلمين، الذى أتشرف وأفتخر بها، على مسار عملى كمدير تحرير للموقع الإلكترونى، فـ "اليوم السابع" يضم أيدلوجيات ومشارب سياسية مختلفة، لكن رفع الجميع داخل المؤسسة شعار المهنية، وأدينا جميعا دورنا بشكل صحفى بعيد عن التحيزات الفكرية، ولعل ثماره ظاهرة بوضوح على موقعة الإلكترونى الذى يعد هامة عالية فى الصحافة العالمية.
ورغم ذلك وجدت أن جهاز أمن الدولة الخبيث، قبيل الانتخابات البرلمانية بخمسة أشهر، وفى إطار حملته المسعورة على وسائل الإعلام المختلفة، يضغط على الزميل خالد صلاح والإدارة من أجل فصلى فصلاً تعسفياً، أنا ومجموعة من صحفيى الإخوان المعينين داخل المؤسسة، وعندما رفض رئيس التحرير الاستجابة، تصاعدت حدة التهديدات للجريدة، لدرجة أن رئيس الجهاز بنفسه حسن عبد الرحمن شدد على استمرار هذه الضغوط، فما كان من رئيس التحرير إلا أن عرض على الأمر، وأكد لى أنه لن يسمح لأحد بالمساس بأى صحفى مهنى قدم جهداً لـ "اليوم السابع" شهد له الجميع به، خاصة المعينين، حتى لو اضطره ذلك للرحيل.
وقد أكبرت الرجل الذى وقف فى وجه الطوفان، ولو كان غيره لاستجاب لضغوط رجال هذا الجهاز الذين طغوا فى البلاد وأكثروا فيها الفساد، خاصة وأن أمن الدولة نجح بامتياز فى كسر أقلام قامات صحفية كبيرة، من خلال مثل هذه الضغوط، وأمام هذا الموقف أردت أن أرفع الحرج وأخفف الضغوط عن رئيس تحريرى وصديقى خالد، والذى تجمعنى به علاقات وطيدة، بالرغم من اختلافنا الجذرى فكرياً، وعرضت عليه استقالتى، ولكنه قابل ذلك بالرفض الشديد، وأكد لى أن مصيرنا واحد ولن يفرط فى صحفى مهنى يثق فى قدراته بسبب ضغوط أمنية.
وللأسف تواصلت الضغوط على الجريدة من قبل رئيس جهاز أمن الدولة، وأصبحت التهديدات صريحة والمساومات واضحة، خاصة مع ارتفاع حدة معارضتى فى مقالاتى للنظام الفاسد، ولذلك قررت الامتناع عن الكتابة ورفع اسمى من "الترويسة" من أجل تخفيف هذه الضغوط على جريدتى التى أعتز بها، ولا أنكر أنه أصعب قرار اتخذته فى حياتى الصحفية، ورحلتى مع صاحبة الجلالة على مدار 19 عاماً، وقد توافقت مع رئيس التحرير على هذا لقرار لحماية المؤسسة من البطش الأمنى.
إنها أوضاع مقلوبة عشناها فى ظل نظام بوليسى فاشى وفاسد طارد الشرفاء، وحاول كسر أقلام الصحفيين المعارضين، وضيق على الصحف المهنية، ونكل بكل أصحاب الأيدلوجيات والأفكار المخالفة له، وما كنت أنوى كتابة هذه الحقائق، ولكن وجدت نفسى مضطراً لذكرها لرد الحقوق لأصحابها.
وقد كتبت فى هذه الفترة كلمات على مدونتى الشخصية، لتوصيف محاكمة أصحاب الأقلام الشريفة، أود أن تخرج للنور الآن على موقعنا الذى نفتخر بالعمل به.
حوار مع قلم قليل الأدب
دار حوار بين صحفى توقف عن الكتابة وقلمه الذى وصفه بعض رافضيه بـ"قلة أدبه" لتطاوله على الأكابر وتعديه كل الخطوط الحمراء، واسمحوا لى أن أنقل لكم بعض سطور هذا الحوار لتعيشوا مع هذا الصراع بين القلم وهذا الصحفى.
القلم: هوا انت هترجع تكتب تانى امتى أنا بديت أخاف عليك وبدأت أشعر بالضمور؟
الصحفى: مش عارف ما انت السبب يا فالح عملت فيها بطل وفتحت صدرك على الآخر.
القلم: هو فى إيه مش انت اللى عودتنى على الشجاعة ورفع راية الحق ونزعت منى الخوف وقلت لى قول الحق وانصر الضعفاء وما تخاف فى يوم من ذى سلطان.. مش انت اللى خليت قلبى حديد وخلتنى رافع سيفى فى وجه كل فاسد وظالم ومأجور.. إيه ياصحبى اصحى اوعى تدى لضميرك أجازة وتخليه ينام ما يصحى، أو تبيع فى زمن الكل بيبيع.. فوق وارجع زى ما أنا عارفك يا جبل ما يهزك ريح.
الصحفى: يا عم اتنيل بقى، الريح عصفت بالوطن كله، وخدت فى وشها الخير كله، وضيعت الشهامة والشجاعة والشطارة وما خلت منه، إلا نسور طارت وماتت فى السما وادفنت على أكتاف ولاد اللى مايتسموا، اللى ممرمطين البلد بحجة محاربة الإرهاب والتشدد والذى منه، ارحمنى عاوز أعيش وآخد الكام ملطوش، اللى ديما مابيقضوش، وكفاية بقى أنا تعبت وناوى أميل عشان ما ضربش بالنبوت، اللى طايح ومعندوش رحمة وممكن بيه أموت، هو انت ناسى اللى حصل واللى جرى ولاعاوزنا نخش بطن الحوت، طيب يونس طلع منه عشان مش مكتوب له يموت، لكن ياحلو حيتانا بتبلع مابترجعش، واللى بيروح بطنها مابيرجعش، واللى يقولها لأ بيتفرم وبيموت وما بيتشيعش، أنا ناوى أكتب فى الخفايف واللطايف واللى ما بيوجعش، فهمت الكلام يا صحبى ولا مبتسمعش.
القلم: ايه اللى بسمعوا منك ده، هو إيه اللى جرى إيه اللى حصل، مش أنت اللى أعرفه، فينك لما قلت لى اكتب وافضح اللى سرطنوا البلد، وبعدها اتسجنت واتبهدلت بس كنت ولد، مخفتش، ماركعتش إلا لله الواحد الأحد، مش أنت كنت ضمن اللى رفعوا راية العصيان، فى وجه كل فاسد فى بلاط السلطان، وكتبت بإيدك ديه لا للتوريث لا للفساد لا لتلامذة الشيطان.
الصحفى: يا قلمى أنت مش فاهم حاجة، دية راحة محارب، كلها كام شهر وسنة والواد مكان أبوه يركبوه، ومجلس الشعب زى الشورى يأمموه، وبعدها يقوللنا اكتبوا اللى تكتبوه، وهنطلع نلعن سلسفين أبوهم ونقول العبر فيهم وهمه ما هيسمعوه، هيبقوا مشغولين بتقسيم الغنيمة والوطن اللى نهبوه.
القلم: وأنت هتسكت لغاية ما يعملوا كده، مش هيصعب عليك حال البلد كده، وهتتفرج على البلد وهمه بيبعوه لده وده، لأ يا عم ده فراق بينى وبينك، إدينى لواحد غيرك، يصون أمانة المهنة والقلم، ويرفع راية الحق ويموت تحت العلم، وبيع يا عواد يمكن تلاقى اللى يشترى، وعلى أفاك يفترى، وبالجزمة يديك لما تتهرى، ولو صممت إنى أبقى معاك يبقى اكسرنى أو احرقنى، لكن مش هكتب اللى يبيع الوطن، لكن مش هكتب اللى يبيع الوطن.
الصحفى: الله يحرقك صحيت ضميرى فى، وخليته ينأح على، شكلك هترجعنى لأكل الفول والطعمية، وهبقى كاتب سريح على الجريدة دى ودية، لكن معاك حق يا قلم، مهما يكون الألم، هيكون أهون بكتير من الندم، على وطن هيتباع بأبخس الثمن، يلا يا قلم نموت تحت العلم، يلا يا قلم نموت تحت العلم.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة