المصريون ومصر وثورة يناير قدرهم أن يقوموا بثورة أسقطت رأس النظام فكان هذا إحياء لكل الآمال واستعادة الثقة فى النفس، ولكن حتى الآن لم يُقدر لهذه الثورة الاكتمال مما جعلنا ومنذ الثورة ندخل فى معركة لنخرج إلى أخرى، فننتهى من حوار لنبدأ حوارًا آخر، نتوهم أننا نتحالف نظريّا فنكتشف أننا نتباعد ونختلف عمليّا، ذلك لأن كل فصيل سياسى قد أُصيب بمرض الذاتية والنرجسية، فهو لا يرى غير نفسه ولا يسعى سوى لمصلحة ذاته، مع استعمال كل الأدوات المشروعة وغير المشروعة، وعلى رأسها أنه يمثل الجماهير، وأنه يعبر عن إرادتها، لذا فهو يستكمل الثورة التى كانت له اليد الطولى فى إنجاحها.
وإذا كان هذا السلوك وتلك السياسة قد دشنت فى استفتاء 19 مارس الماضى فحدث استقطاب سياسى وطائفى حول تعديل المواد الدستورية، ففى المرحلة الأولى من انتخابات مجلس الشعب قد أتت بثمار ذلك الاستقطاب بشكل قد تجاوز كل الحدود، لذا قد رأينا ولأول مرة انتخابات لا علاقة لها بالتنافس السياسى بقدر ما كانت مواجهة طائفية ودينية فى شكل سياسى، بل قل إنها كانت انتخابات على المسجد والكنيسة، وبالطبع فهذا كان له أسبابه المتعددة من حيث استغلال حالة التدين لدى المصريين جميعًا واللعب على وتر الدين الذى له مكانة عالية لدى المصريين حتى قبل الأديان السماوية، ولذا قد كان ما كان من حصول التيار الإسلامى على تلك الأغلبية التى يمكن أن تستمر لو سارت الأمور فى المراحل التالية هكذا.
الشىء الذى جعل هناك حالة من حالات الذعر والتخوف من صعود ذلك التيار ليس للأقباط فقط ولكن لكل المصريين الذين لا ينتمون سياسيّا لتلك التنظيمات ولهذه الأحزاب السياسية والتى تستغل اسم الإسلام، والإشكالية الحقيقية ليست تلك التصريحات التى تعود بنا إلى الوراء مئات السنين، إنما لأن هذه التصريحات تصدر باسم الإسلام وليست كوجهة نظر أو اجتهاد خاص لصاحبها، الأمر الآخر أن هذه التصريحات قد أصبحت سوقًا للمزايدة فمن يقول إنه لا يحق للقبطى موقع رئاسة الجمهورية، نرى من يزايد ويقول لا يحق لهم موقع الوزير أو عضوية مجلس الشعب، نسمع ويا للأسف من يحقر فى أعظم حضارة عرفتها البشرية ويطالب بهدم آثارها الخالدة أو أن تغطى بالشمع «قمة التسامح»، نرى من يسىء إلى أدبائنا وثقافتنا، تلك الثقافة التى تمثل القوى الناعمة لمصر فى المنطقة بأسرها.
ومن نفس التيار السلفى ذاته نسمع من يقول إن هذه ليست وجهة نظر السلفيين، وأنه يمكن زيارة الآثر إذا لم تكن للعبادة، نرى من يتحدث عن تطبيق الحدود بحذافيرها مسقطين الظروف الذاتية والموضوعية التى يجب أن تراعى عند التطبيق وأهم الأمثلة وهى وقف حد السرقة فى عام الرمادة، متجاهلين فقه الواقع الذى يعطى قيمة حقيقية للإسلام باعتباره دينًا يصلح لكل زمان ولكل مكان، والأهم أننا قد أصبحنا الآن فى سوق عكاظ، فالإخوان بعد حصولهم على هذه النسبة أصابتهم حالة من الاستكبار والغرور والتعالى، حتى وجدنا أن موقع المرشد قد أصبح موقعًا فوق موقع رئيس الجمهورية، فلا نعلم من أين سنحكم الآن من رئاسة الجمهورية أم من مكتب الإرشاد بالقلعة، لذا نرى تصريحًا متشددًا يثير الخوف والرعب من متحدث رسمى بعدها نجد تكذيبًا لهذا المتحدث، كما نرى أن هناك صراعًا حقيقيّا بين الإخوان والسلفيين، بالرغم من أن كلاّ منهم يتحدث باسم الإسلام ويعتبر نفسه هو حامى حمى الإسلام والمسلمين وأن هدف كل منهم تطبيق شرع الله، فإذا كان الأمر كذلك فلماذا هذا الاختلاف وذاك الصراع الذى وصل لحد الاشتباك؟ إذن فإن الموضوع هو المصلحة الخاصة والرؤية الذاتية واستغلال الدين لحصد مكاسب حزبية وتنظيمية، فإذا كان الحال كذلك وكلا التيارين سيكون فى الحكم ومن الجائر أن يتحالفا، فعندئذ ماذا أنتم فاعلون فى تلك التصريحات وفى هذه الرؤى المختلفة فيما بينكم؟ قولوا لنا يا سادة، «نفتح الشباك ولاّ نقفل الشباك؟».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة