لم تكن تعرف عزة أن عينى ابنها اللتين تُقَبلُهما كل مساء، ستكون هدفًا لقناصٍ أراد أن يمنعها عن نقل الحقيقة، لكنها عرفت أن تربيتها لولدها على حب الوطن، والإخلاص له، والدفاع عنه بشجاعة، لن يضيع هباءً أبدًا.
عندما حرص ياسر على أن يحصل ابنه على قدرٍ جيد من التعليم لم يكن يعرف ماذا يدخر له المستقبل، لكنه عرف أن التعليم الجيد، والثقافة الواسعة، لا يقلان أهمية عن التنشئة على حب الوطن، فكلاهما ضرورى لخلق إنسان يعرف كيف يبنى بلاده.
حين بدأ نديم دراسته للعلوم السياسية فى الجامعة الأمريكية كان يدرك أنها فرصة لا تتاح لكثيرٍ من الشباب، ولا يحظى أغلب من يعرفهم بمثلها ضمانًا لحياة مهنية مبشرة ومريحة، لكن ذلك لم يثنه عن التفكير فى بلاده، ولا الحلم بمستقبلٍ أفضل لجميع أبنائها، لا له وحده، صحيح أنه كان يفكر فى نفسه حين نزل إلى «التحرير»، فقد أراد أن يعيش كريمًا فى بلدٍ حر، لكنه حين واجه الرصاص بصدرٍ أعزل، كان يريد الكرامة للجميع، والحرية لأبناءٍ لم يرهم بعد.
الرصاصة التى أصابت عين نديم غدرًا، أرادت أن تسرق منه النور، والحلم، والإرادة، بلا حق. عيناه الآن بين رحمة الله، تنتظران أملاً فى الشفاء، كغيره كثيرين فقدوا عيونهم.. وأكثرها بلا رجعة، رصاصة لا يساوى ثمنها الكثير، لكنها تسرق ما لا يقدر بثمن، من يتحمل مسؤوليتها؟
نديم.. لن أستطيع الكتابة عن شاشاتٍ لا تستطيع أن تراها الآن، وإلى حين أن يأذن الله، أنت وغيرك من شبابنا الذين فقدوا عيونهم لأجل مصر، مصر هى التى تحتاج لأن تراهم الآن: شباب زى الفل، لا يملكون من عَرَض الدنيا سوى حب بلادهم، بلاد يحبونها حتى الآن من طرفٍ واحد، وإن كان لابد ستبادلهم الحب يومًا ما.
أتصور ألمك يا عزة، وأنا أحتضن ابنى فى المساء، أشكر الله أنه سليم بين يدى، وأتذكر سهرك بجانب نديم تتألمين أكثر مما يشعر، لكن «الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً».
وأنا، للأسف، لا أملك سوى أن أقول: أنا آسفة يا نديم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة