رائحة الدخان تزكم الأنوف ومشاهد الدم تكسو الكثير من الحقول الخضراء والمنازل التى كانت حتى وقت قريب أمنة مطمئنة والسبب أن هناك من ينفذ مع سبق الإصرار والترصد مخططًا جهنميًا لإحراق وطن ظل لسنوات طويلة مضرب الأمثال فى الأمن والأمان الذى كان يكسو كل شبر من ترابه.
لم يعد حسن النية أو منطق المصادفة أو تعليق الأمور على شماعة تراكمات سنوات حكم مبارك مقبولاً بعد اليوم، فالأحداث المتتابعة أكدت أن هناك من يسعى جاهداً للقضاء على الأخضر واليابس فى بر مصر.
يريدون أن يتركوها لنا أرضاً محروقة أو تركة ثقيلة لا يستطيع أى محب لهذا الوطن أن يحملها فى رقبته هذه هى الحقيقة ألمسها أنا وأنت فى هذه اللحظة فكل ما يجرى يؤكد شيئًا واحداً هو أن هناك تحالفاً شيطانياً يعمل بكل همة واقتدار من أجل حرمان مصر من حقها فى الحلم.
قل لى بالله عليك هل تبدو مصادفة مشاهد المعارك المتبادلة التى تابعناها بين الأهالى والأمن والجيش فى دمياط وأسوان خلال الساعات الماضية؟ أغرب ما فى الأمر أنك تجد علامات الاستفهام على ألسنة سكان هذه المناطق أنفسهم، فهم يرون أن ثمة ما يجرى فى الغرف المغلقة وخلف الأسوار.
ففى دمياط على سبيل المثال نجد أن المصنع الذى فجر ثورة غضب الأهالى موجود منذ فترة طويلة، كما أن الحكومة وعدت بحل المشكلة منذ البداية واتخذت بالفعل قراراً بإغلاقه ومع هذا تواصل التكسير والتخريب والتدمير الذى طال كل مكان إلى الحد الذى دفع الجيش للتدخل بقواته الخاصة فى محاولة للسيطرة على الوضع وتزامن مع هذا عرض عدة حلقات من مسلسل العنف فى أسوان والذى طال أقسام الشرطة وعدداً من المصالح الحكومية رغم أن الجميع يعلم أن أبرز ما اشتهر به أهل هذه المحافظة هو الطيبة والوداعة.
لم تخرج سوهاج عن هذا السياق وفى الوقت الذى كانت فيه المعارك بين أهالى قريتين هى العنوان للأحداث المؤسفة التى شهدتها تلك المحافظة طوال الأيام الماضية فإن الدلالة الأكثر عمقًا كانت هى أن عصفور النار قد وصل إلى هذا المكان وأن شرارة اللهب ستشعل فى طريقها مع الوقت الكثير من الخلافات والمشاكل القبلية التى ظلت كامنة تحت السطح.
من وجهة نظرى فإننا نبدو فى اللحظة الراهنة أحوج ما نكون إلى الصراحة التامة من أى وقت مضى وأن الأوان حان لتسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية، وأن علينا أن نحمل عار إضاعة وطن سيلاحقنا حتى فى قبورنا.
إذا لم نقف جميعاً صفًا واحدًا فى هذه اللحظة لنقول بصوت واحد: إن مصر أكبر من ديكتاتور يريد أن يعاقب أهلها على ثورتهم ضد ظلمه، وأنها أكبر بكثير من أن يسعى مجموعة من ناهبى الأقوات لتركيعها فإننا سنخسر كل شىء ولن يرحمنا أحد.
كابوس الحرب الأهلية الذى كان يطاردنا فى أسوأ أحلامنا صار حقيقة مرة نلمس بعضاً من مشاهدها بين الحين والآخر، ولهذا يجب أن نتحرك جميعا قبل أن يمضى وقت الندم.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة