ناصر عراق

المجلس العسكرى.. والمقالات البيضاء!

الجمعة، 07 أكتوبر 2011 11:57 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إذا وصل الأمر بكتاب الأعمدة الصحفية إلى ترك أعمدتهم بيضاء احتجاجاً واعتراضاً كما حدث يوم الأربعاء، فاعلم أن سحباً سوداء تركض فى سماء الوطن، وتيقن أن قبضة السلطة صارت أثقل وأقسى. وأظن أن هذا ما يحدث فى مصر الآن، فالمجلس العسكرى الذى سقطت فى فمه تفاحة السلطة فور طرد حسنى مبارك من عرين الرئاسة مساء 11/2/2011 لم يتمكن من إدارة المرحلة الانتقالية بطريقة صحيحة، فبعد مرور نحو ثمانية أشهر، وبعد نجاح الثورة فى إسقاط رأس النظام، ها هو المجلس العسكرى يقف بالبلاد عند نقطة الصفر تقريباً. فلا هو أنصت للأفكار الصائبة التى اقترحها الثوار والمفكرون والكتاب والسياسيون الشرفاء بخصوص كيفية بناء دولة مدنية حديثة تنهض على الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ولا هو راغب فى ترك السلطة، وإعادتها للمدنيين، على الرغم من أن هذا المجلس كان قد أعلن فى بياناته الأولى أن الجيش سيعود إلى ثكناته بعد ستة أشهر فقط، وهو ما لم يحدث بكل أسف.
أجل.. علينا الاعتراف بأن المجلس العسكرى أخفق فى العبور بمصر الثورة إلى شاطئ الحرية والعدل والاستقرار، وأعتقد أن هذا يعود إلى أن رجال الجيش مهمتهم تكمن فى حماية حدود الوطن، لا فى إدارة سياسة بلد، وأن الروح القتالية الصلبة التى يتمتع بها رجال الجيش المصرى العظيم تخاصم تماماً ضرورات السياسة وشروطها وصراعاتها ومكائدها.

دعنا نراجع معاً سلوك وقرارات المجلس العسكرى منذ تذوق أعضائه لذة السلطة حتى الآن، فقد ترك هذا المجلس مبارك ورجاله أسابيع طويلة أحراراً، ولم يقدمهم إلى المحاكمات إلا بعد الضغط الشديد من قبل الشعب فى المليونيات الشهيرة. الأمر الذى جعل الرئيس المخلوع وزبانيته يلملمون أوراقهم ويدارون آثار جرائمهم بسهولة. كما أن هذه المحاكمات تم ابتذالها بطريقة محزنة، فالرئيس الساقط لا يحاكم على جرائمه السياسية الكبرى وما أكثرها مثل التوريث وخيانة النظام الجمهورى وإفقار وإذلال ملايين المصريين على مدى ثلاثة عقود، وانصياعه الكامل لإسرائيل وأمريكا إلى آخره، بل يحاكم على جرائم نهب وفساد مالى، وهى جرائم يمكن للمحامى النبيه أن يفلته منها بسهولة. أما حكاية قتل الثوار وإصابة الآلاف، فواضح أنهم يريدون تبرئته منها بأية وسيلة، وقد قاموا بمنع بث المحاكمات تليفزيونيًا على الهواء حتى لا يتمكن الناس من المتابعة والاطمئنان على سير العدالة.

لا تنس أرجوك أن المجلس العسكرى ظل محافظاً على حكومة أحمد شفيق التى عينها مبارك قبل إزاحته لمدة تزيد عن شهر تقريباً، وهو أمر مريب، إذ كيف يليق أن يظل رئيس وزراء نظام مخلوع فى منصبه بعد الثورة؟ ولولا المظاهرات الحاشدة ما استجاب المجلس لإبعاده، وتعيين حكومة جديدة كان أكثر من نصف أعضائها من رجال مبارك، ورئيسها فاقد الصلاحيات.

نعم.. الذكرى تنفع المؤمنين، ونحن نؤمن بالثورة المجيدة التى أشعلها الشباب المصرى الأجمل من الورد وانضم لها الملايين من أبناء مصر البررة، لذا حين نتأمل بداية الطريق التى قادنا فيها المجلس العسكرى، نكتشف الآن أنها كانت طريقاً مسدودة بكل أسف، فضباب القرارات السياسية التى أعلنها المجلس بقصد، أو بقلة خبرة وحنكة، أربكت الجميع: من أول رفضه إلغاء الدستور وقيامه بعمل بعض التعديلات الدستورية، ثم الإعلان الدستورى بمواده المتناقضة، ثم إغراق البلد فى دوامة الانتخابات أم الدستور أولاً؟ ثم التخبط فى تحديد كيفية إجراء الانتخابات وهل بالقائمة أم بالنظام الفردى، وطريقة تقسيم الدوائر إلى آخره.

كل هذا الاضطراب يعود بالأساس إلى إصرار المجلس العسكرى على رفض المقترحات الصائبة التى تقدم بها أولو الخبرة من المحترمين والشرفاء لعبور الفترة الانتقالية بأفضل طريقة وأقصر وقت.

أما الدلائل الفجة التى تؤكد أن المجلس لا ينوى تسليم السلطة إلى المدنيين، فتتمثل فى تفعيله لقانون الطوارئ بحجة حماية الناس من البلطجية والقضاء على الانفلات الأمنى، ثم تقديمه نحو 12 ألف مدنى إلى المحاكمات العسكرية، وهو أمر محزن ومخيف، ذلك أن القانون الجنائى العادى يحفل بعشرات المواد التى تضبط الأمن، وتقدم البلطجية إلى المحاكم المدنية. يضاف إلى ذلك ضيق صدر المجلس بالصحافة والإعلام، فصادر روز اليوسف، وأغلق قناة الجزيرة مباشر بحجج واهية، ثم اقتحم مقرها بأسلوب بدائى وفظ، دعك مما ينشر فى الفيسبوك واليوتيوب عن قيام الأمن والشرطة العسكرية بتعذيب المواطنين مثلما كان يفعل رجال مبارك والعادلى بالضبط، وكأنه لا ثورة قامت ولا شعب انتفض ضد الذل والفقر وإهدار الكرامة.

لقد فعل زملاؤنا الصحفيون حسناً عندما تركوا أعمدتهم بيضاء يوم الأربعاء 5/10/2011 احتجاجاً على قمع الحريات، لكن الثورة التى خطفوها أو كادوا، لا يمكن لها أن تسترد عافيتها ورونقها إلا بخروج الملايين مرة أخرى فى مظاهرات سلمية لتفرض إرادتها ومطالبها وتنال حرياتها من أولئك الذين ظنوا خطأ أن الشعب استكان واكتفى بمحاكمة مبارك فقط، فتشبثوا بالسلطة واستخفوا بالمصريين، وهو أمر لن يدوم حتماً.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة