منذ اللحظة الأولى لهذه المحاكمات الهزلية للرئيس والوزير والمسؤولين عما تعرض له الوطن من كوارث سياسية واقتصادية واجتماعية والتى كادت تنتهى بالقضاء على النظام الجمهورى نفسه، قلت - وقال غيرى - إنها عبث كامل، حيث يحاكمون بتهم مضحكة مثل لوحات السيارات أو شراء بعض العقارات بسعر أقل من قيمتها، وكان السبيل الوحيد لتلافى تأثير استمرار هؤلاء فى الواقع المصرى الهش بعد ثورة عظيمة هو محاكمات عادلة سريعة وحاسمة تنتهى بعزل المتورطين «فعليا» فى عمليات تزوير إرادة الناس وإشاعة أجواء الفساد والترويج لاستمرار الطوارئ.. إلخ.. لكن هذا لم يحدث ولم يقترب منه المجلس العسكرى الحاكم لأنه أراد - برأيى المتواضع - استمرار اللعبة القديمة للنظام البائد بضرب القوى السياسية بعضها ببعض للحفاظ فى النهاية على توازن يخلق له فرصة التواجد كقوة حاكمة مسيطرة على مجموعة من القوى المتنابزة المتنافرة وعلى رأسها جماعة الإخوان وحزبها التى أصبح الآن لديها مطلبان فقط لتوقف ابتزازها للمجلس الموقر:
1 - إلغاء البند الخامس من الإعلان الدستورى لكى تتسع دائرة قضمها للكعكة الانتخابية بالاعتداء على حق المستقلين فى الانفراد بنسبة 30 % من المرشحين.
2 - إفساح الطريق لهم بالكامل بإقصاء رموز الحزب الوطنى القادرة على منافستهم فى الدوائر الفردية بالعزل السياسى التام والشامل.
الغريب أن المجلس العسكرى يستجيب ويخضع دائما لابتزازات واضحة بدعاوى ساذجة.. فالانتخاب الفردى ليس بدعة وهو يظل القاعدة بكل انتخابات العالم خاصة فى ظل غياب ممارسة ديمقراطية طويلة وفاعلة، فمن حق المستقلين عن الأحزاب الحصول على فرص بعيدًا عن انتماء حربى غير واضح وغير متسق مع مجمل أفكارهم.. كما أن القائمة ليست حلاً ديمقراطيا كاملا أو حتى يقترب من الكمال، فهى وإن كانت تمنع إهدار أصوات الجماهير تحت نسبة الـ50 % وتعطيها لمن يستحقها بشكل نسبى فإن عيوب تشكيل القائمة نفسها داخل الأحزاب والتى لا تتم أبدًا على أسس ديمقراطية بل على تقسيم بغيض للمناصب ومراكز القوى داخل كل تجمع حزبى بحيث يكون الناخب أمام خيار مستحيل عندما يجد أن عليه أن يختار قائمة لا يوافق على ترتيب الأسماء بها أو على مجمل المتواجدين بها ومع ذلك فإنه بالتزامه الحزبى مرغم على اختيار القائمة.. ليس هناك إذن نظام انتخابى مثالى لكل شعوب العالم كما أن نظام القائمة جديد على شعب طال استبعاده من العملية السياسية بأكملها.. أما الاحتجاج باتساع دوائر الفردى فلا أجدها مشكلة للإخوان بالذات، فالأموال موجودة والحمد لله والمنابر متاحة داخل المساجد بالمجان.. الخوف فقط من الرموز الشعبية والقبلية والتقليدية التى كانت تنضم للحزب الوطنى فقط، لأنها الطريقة الوحيدة لخدمة أهلها وتحقيق مطالبهم المتواضعة.. إذن مطلوب من المجلس العسكرى إزاحتهم حتى تتاح الفرصة كاملة لكوادر الإخوان وخلفائهم للفوز بالتزكية فى كل الدوائر الفردية والقوائم أيضًا.
إنهم - وبعض تابعيهم - يذهبون إلى المجلس الذى يدللهم وإن تظاهر بعكس ذلك لا يطلبون ضمانات حقيقية لانتخابات شفافة مثل الرقابة الدولية الكاملة وإقرار قانون استقلال القضاء ومحاكمة الفاسدين من القضاة ووقف استعمال الشعارات الدينية والمنابر فى الدعاية الانتخابية والإنهاء الكامل للطوارئ مع تفعيل دور الشرطة، ولكنهم فقط يطالبون بإزاحة أى خصم محتمل.
نحن فى حاجة إلى تعريف جديد لكلمة «الفلول» الذين يحتاج الشعب إلى إنهاء دورهم السياسى تماما وليس عزلهم عزلا مؤقتا.. تعريف جديد لابد أن يشمل بالضرورة:
1 - قيادات أحزاب «معارضة» متورطة بالتآمر مع الحزب الوطنى فى التزوير العلنى سواء من قبل بـ80 مقعدًا عبر اتفاق سرى أو ترشح صوريًا لرئاسة الجمهورية لكى يضفى عليها مظهرًا خادعًا بناء على طلب الرئاسة نفسها أو حتى قيادات حزب التجمع التى تواطأت على التزوير لصالحها فى الانتخابات الأخيرة لحفنة مقاعد.
2 - قيادات صحفية وإعلامية تفتخر - بل تعلن ذلك عبر برامج تليفزيونية - بأنها كانت صديقة لرموز الحزب المنحل واعتبارها مصادر لأخبارها تسافر على طائراتهم وتقبل دعواتهم من كل الأنواع وتتحدث عن طيبتهم وإنسانيتهم!!
3 - قضاة فاسدين ساهموا فى عمليات التزوير عبر أكثر من انتخابات.. يعرفهم زملاؤهم وهم مازالوا فى أماكنهم يصدرون الأحكام تبعا لهوى الحاكم ويجيدون «المواءمات» لتكريس الظلم وطغيان الطبقة الحاكمة.
والمساحة لا تكفى لبيان شامل لكل «الفلول» ولكن المرء يقطع بأن بعض المنتمين للحزب الوطنى - خاصة فى الأرياف - أفضل بعشرات المرات من رموز معارضة تملأ سماء الوطن وهواءه دون انقطاع.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة