لا يوجد على وجه الأرض شىء أصعب من أن يتحول حلم كبير إلى كابوس مفزع يلتهم فى طريقه الأخضر واليابس ويحول الحياة إلى جحيم لا يطاق، يصبح معه تمنى الموت غاية كل حى.
وبالنسبة لى ولكافة أبناء جيلى فإن الثورة ظلت طوال السنوات الماضية حلما أسيرا لأفكارنا المجنونة التى كان نطق اللسان بإحداها، ولو على سبيل الزلل، كفيلا بأن يلقى بصاحبه خلال ثوان معدودة وراء شمس الطاغية التى لم تكن تعرف الغروب أبدا.
فى الـ25 من يناير جاء الزلزال الكونى ليخرجنا جميعا من قاع المتاهة التى كانت جهود كافة مؤسسات النظام السابق تعمل جاهدة لأن نظل أسرى لها أبد الدهر.. كل منا كان مصدوما فى اللحظات الأولى حتى أولئك الذين كانوا فى طليعة المشهد، لم يكن أحد يتوقع ولو بنسبة واحد فى المليون أن تتحول أحاديث الثورة الممنوعة فى بر مصر إلى حقيقة تكتسح فى طريقها ثلاثين عاما من الاستبداد.
بدأت الثورة تشق طريقها على أكتاف المئات وخلال ساعات قليلة انضم إليها الملايين ووقف الجميع صفا واحد ليكتبوا بصدورهم العارية كلمة شعب يطلب حقه فى الحرية التى حرم منها طويلا،
وبسرعة توالت فصول المشهد بعد هذا، حيث رحل مبارك وصار حلم الثورة حقيقة يلمسها الصغار قبل الكبار وأصبح المجلس الأعلى للقوات المسلحة هو الوصى الشرعى على شعب مصر حتى انتهاء المرحلة الانتقالية.
ولكن شيئا فشيئا بدأنا جميعا نشعر بأن هناك من يسعى تدريجيا لاختطاف الحلم من بين ضلوعنا وصار اللفظ القريب على ألسنة الكثيرين منا "يا فرحة ما تمت"
لست متشائما ولكن دعنى أقول لك بصراحة شديدة إننا جميعا يجب أن نعترف بأن ثمار الثورة التى نجحت فى الإطاحة بمبارك لم تصل بعد لجوهر حياتنا اليومية والذى يختلف كثيرا بعد الثورة عنه قبلها.. لا يعنى هذا بأى حال من الأحوال إنكارا لأهمية ما قمت أنت وأنا وغيرنا به فى الـ25 من يناير بقدر ما يدعونا للتساؤل معنا عن مصدر الخلل الكبير الحادث الآن.
تأمل جيدا الجدل الدائر الآن حول موعد إجراء الانتخابات البرلمانية والطريقة التى ستجرى بها والخلاف الشديد الحادث الآن بين الأحزاب والمجلس العسكرى؟ ألا يدعوك هذا للقلق الشديد؟ ألا تشعر بأنك أمام طبعة جديدة لما كان يحدث فى عهد مبارك؟!
ثم انظر بعد هذا لوجوه الوزراء والمحافظين والطريقة التى يتحدثون بها؟ أحسب أنك ستلاحظ مثلى أن عددا لا بأس به منهم كانوا من رجال نظام يفترض أن الثورة قامت على أنقاضه.
دعك من هذا كله، ثم ابحث عن قيادات الحزب الوطنى المنحل الذين يصفهم البعض بالفلول ستجد أنهم كونوا عددا كبيرا من الأحزاب السياسية وأنهم يتحركون بين الناس ليل نهار وكأنهم لم يقترفوا إثما يوما ما!
وفى الوقت الذى ينهش فيه الفقر والمرض أجساد ملايين المصريين الذين علقوا على الثورة آمالا كبيرة فى أن تمنحهم الحق فى الحياة فإن الأغنياء يزدادون غنى.. مازال فى مصر الثورة من ينامون ببطون خاوية من الطعام ومن يموتون لأنهم لا يملكون ثمن الدواء فهل تستطيع أن تقول لى بعد هذا كله لماذا قمنا بالثورة؟ فى رأيى الشخصى الثورة فى حاجة إلى ثورة قبل فوات الأوان.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة