أتصور أن جوهر الأزمة بين المحامين والقضاة أن أصحاب القضاء الجالس يخلطون بين استقلال القضاء وبين الاستقلال بالقضاء، والفارق ضخم.
فاستقلال القضاء يعنى استقلاله عن باقى مؤسسات الدولة، وأهمها السلطة التنفيذية، أما الاستقلال بالقضاء فيعنى أن بعض القضاة الأجلاء يتصورون أنهم سلطة فوق كل سلطات الدولة، بل المجتمع، وهذه بالطبع خطيئة كبرى.
لعل القارئ الكريم يتذكر قرار الجمعية العمومية لمجلس الدولة قبل الثورة، والذى رفضت فيه تعيين المرأة قاضية، وهذا بالبداهة مخالف لقواعد المساواة المطلقة التى كفلها الدستور والمواثيق الدولية التى وقعت عليها الدولة المصرية، ومن ثم أصبحت جزءا من القانون، بل هناك حكم للمحكمة الدستورية يؤكد أن هذه الاتفاقيات والمواثيق تلغى ما يناقضها، ولا يجوز تشريع ما يخالفها.
ومن ثم فسلطات القضاة ليست مطلقة ولكنها مشروطة بالقانون والدستور، وليس من حق أى جمعية عمومية للمحاكم، ولا من حق المجلس الأعلى للقضاء أن يتخذ قرارات مخالفة للدستور، فهم ليسوا جهة تشريع.
وهذا يطرح سؤالا مهما هو : من يراقب القضاء ومن يصوب أداءه؟
ربما تكون إحدى الأفكار التى تحتاج إلى مناقشة هى التجربة الإيطالية، حيث إن من بين أعضاء المجلس الأعلى للقضاء عددا من الشخصيات العامة فى مختلف المجالات، يمثلون المجتمع، أو مؤسسات المجتمع المدنى، ليس لهم علاقة بالمسائل الفنية، ولكن دورهم المشاركة فى وضع سياسات هذه المؤسسة المهمة، بالإضافة إلى كونهم عينا للمجتمع على مؤسسة القضاء.
أظن أن هذا اقتراح يحتاج إلى مناقشة، ربما يكون هناك أفكار أفضل، لكن فى كل الأحوال نحن نريد استقلال القضاء، وليس استقلال القضاة بالقضاء، والفارق ضخم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة