أشعر بالغثيان كلما ترددت أمامى كلمة «فلول» ولعل أغلب المصريين يحسون معى بهذا الإحساس، فقد تحولت الكلمة إلى موضة وإلى مبرر لكل أخطائنا، تداولتها مقالات كثيرة والتهمتها أفواه ضيوف الفضائيات وروادها، فى مناسبة وفى غير مناسبة.. حتى لقد فقدت معناها ومدلولها، مثلما فقدت عشرات الكلمات قيمتها فى الأيام الأخيرة، وآخر استخدام لكلمة «فلول» كان فى أثناء الاستعداد لانتخابات أول مجلس برلمانى بعد ثورة 25 يناير، كان البعض يريد عزل كل من عمل فى النظام السابق أو على الأقل أعضاء الحزب الوطنى الديمقراطى.. ووصلت هذه الاقتراحات التى تولدت من خلال هذا الاقتراح، إلى طريق مسدود، بسبب بسيط هو أن كثيرا من الرموز الحاليين خدموا مع النظام السابق، وأخشى أن تؤدى هذه الكلمة إلى مزيد من الصراع وسط انتخابات مجلس الشعب لأن المعركة هذه المرة قوية لأكثر من سبب أهمها أن فى مصر حالياً أكثر من خمسين حزباً.. وهو عدد غير مسبوق فى تاريخنا السياسى.. وهنا لابد أن نستعد لهذه المعركة من ناحية الأمن ومن ناحية وعى الجماهير ولابد أن نعى الكثير من المفاهيم التى استجدت على الساحة، هذه المفاهيم تختلف وتتفق إلا أنها تستقر وتصل إلى قناعة واحدة أننا نحتاج إلى مزيد من الشفافية والمصارحة الواضحة.
فقد دخل ساحة الانتخابات أكثر من ثلاثة أحزاب إسلامية فى مواجهة الأحزاب الكلاسيكية الراسخة مثل الوفد والتجمع والعربى الناصرى، وقوة الأحزاب الإسلامية زادت من خلال منطق أنها خرجت لتوها من قيود النظام السابق، كانت محرومة من ممارسة حقوقها السياسية بل إن نظام مبارك كان يطلق عليها اسم الجماعة المحظورة.. وبهذا كان التعتيم والازدراء هو سيد الموقف وبعد قيام الثورة رأى هؤلاء أن قوتهم تأتى من خلال الشارع المصرى وثقته بعد سنوات من فقدان الشفافية وضياع الكثير من القيم المتعارف عليها.. هذه الانتخابات القادمة تشهد لأول مرة منذ أكثر من ستين عاماً دخول هذه الأحزاب التى تستقى شعبيتها من هذا الحرمان الطويل من ممارسة العمل السياسى.. اليوم هم يشهدون فترة انتقالية جديدة من تاريخهم ويستعدون لمعركة يحتسبونها الأهم، حيث التنافس بين أطراف عدة أولها الأحزاب الليبرالية وثانيها الأحزاب الاشتراكية وثالثها الأحزاب التاريخية، تلك التى يمتد عمرها إلى أكثر من ستين عاماً.. ولهذا فإن المنافسة الحالية تحتاج إلى حكمة وتقدير.. حتى لا تتحول إلى كارثة.. وبدلاً من نستفيد من الجو الديمقراطى الذى نعيشه منذ نجاح الثورة.. نعود إلى نقطة الصفر، هذه الانتخابات مهمة جداً فى تأكيد قدرة مصر على تحقيق انتقال للسلطة بأسلوب حضارى سلمى يعطى صورة راقية أمام العالم كله أن مصر قادرة على تحمل المسؤولية فى أقسى وأحلك الأوقات.. وأننا أيضاً قادرون على تحقيق ديمقراطية حقيقية بعد ثلاثين عاماً من القمع والديكتاتورية وكان أبرز ملامح هذه السنوات هى تزوير الانتخابات ولعل انتخابات مجلس الشعب المنحل السابق تشهد بكل وضوح وصراحة مدى الأكاذيب التى كان يعيشها النظام السابق ومدى الإصرار على التزوير والتزييف لإرادة الشعب التى وصلت أن اعترفوا هم أنفسهم بهذا الانحطاط غير المسبوق فى أى نظام عالمى يحترم الجماهير ويسعى لإيجاد لوائح وقوانين تعبر عن شعب راق يعيش فى القرن الواحد والعشرين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة