دعنى أقول لك إن ربيع الثورات العربية فى الغالب سيكون هو البداية الحقيقية للقضاء على التطرف الدينى المسلح، وفى الأغلب الأعم سيكون هو الحاضنة لدمج التيارات الدينية فى البناء الديمقراطى الذى نتمناه. صحيح أن مشهد حضور التيارات الدينية بتنويعاتها، معتدلة ومتطرفة، فى ميدان التحرير بالقاهرة يوم الجمعة 1-8-2011 كان مخيفاً، فقد كان استعراض للقوة، وتوصيل رسائل حاسمة للقوى السياسية وللمجتمع، بأنهم مصممون وقادرون على قطف ثمار الثورة الأنبل فى تاريخ مصر.
لكن الديموقراطيات فى شرق العالم وغربه نجحت فى هذا الدمج، أو على الأقل التحجيم بالحرية، وليس بالقمع، فهذا ما فعله الغرب مع التطرف المسيحى ومع تطرف الكنيسة وهيمنتها على الدولة،. وهذا هو الرهان الأكبر فى مصر وفى المنطقة العربية التى كانت حتى أشهر قليلة ماضية، تبدو وكأنها ستظل إلى الأبد تحت رحمة الاستبداد والتطرف.
هذا ينقلنا إلى السؤال الأهم، وهو كيف أنتجت منطقتنا أسامة بن لادن ورفاقه، وما الذى جعلهم يحاولون خوض معركتهم على أرض الغرب، بل وفى عقر دار الإمبراطورية الأمريكية، وذلك يوم 11 سبتمبر، عندما شاهد العالم انهيار برجى التجارة العالمى؟
الإجابة طويلة، وليس متاحاً فى هذه المساحة سوى الإشارات السريعة، حتى يمكننا فهم الأرضية التى نبت فيها التطرف المسلح وغير المسلح، وهل يمكن أن تغييره ويصبح جزءاً من البناء الديمقراطى بعد الثورة المجيدة، أم سيكون هادماً لها، ويحول مصر إلى دولة دينية استبدادية؟
1- لقد لعب الغرب دوراً مدمراً فى الفترة الاستعمارية، ليس فقط على المستوى الاقتصادى، ولكن ترك من خلفه دول مهدمة. وهو ما أهل بسهولة لأن تأتى أنظمة حكم وطنية ديكتاتورية مناهضة لبناء دولة حديثة. ودخلت بعض هذه الأنظمة مثل عبد الناصر فى صراع مع الغرب. ولكن عندما أتى الرئيس السادات بعده، أنهى هذا العداء مع الغرب، ولكنه أبقى على دولة الاستبداد التى أسسها ناصر.
2- كانت الحكومات الغربية والأمريكية تدعم بشدة نظام حكم السادات، رغم أنه غير ديمقراطى، وذلك للحفاظ على مصالحها الاقتصادية والسياسية، ومن أهمها اتفاقية السلام مع إسرائيل.
3- لا يمكننا أن نحمل الغرب وحده المسئولية، فالمسئولية الأكبر بالطبع تقع على النخب السياسية التى فشلت طوال حكم عبد الناصر والسادات، وطوال 30 عاماً من حكم مبارك، على إجبار هذه الأنظمة على بناء دولة حديثة ديمقراطية.
4- فماذا كانت نتيجة الاستبداد:
تعطلت حرية الرأى والتعبير والتنظيم طوال أكثر من 60 عاماً فى مصر، فليس هناك حرية تأسيس أحزاب ونقابات وجمعيات أهلية وإصدار صحف وإذاعات ومحطات تليفزيونية، فقد كانت السلطة الحاكمة هى المسيطرة والمهيمنة على كل شىء. وقد دفعت السلطة الحاكمة منذ عبد الناصر فى هذا الاتجاه، فهى فى الحقيقة دخلت فى منافسة مع تيارات الإسلام السياسى بكل تنويعاتها على استخدام الدين سياسياً. ومن الطبيعى فى هذه الحالة أن يفقد المجتمع القدرة على تطوير نفسه، وعلى إدارة صراعاته بطرق ديمقراطية سلمية، ليس هناك مسارات لتنظيم الغضب، ومن هنا لم يكن أمام عموم الناس، مسلمين ومسيحيين، سوى التوجه إلى السماء.
ولذلك كان طبيعياً أن تنتشر الجماعات الإسلامية السرية، ولأن سبل العمل السياسى مغلقة أمامها، فقد اختار بعضها العمل المسلح لتغيير نظام الحكم وتأسيس دولة إسلامية. وكانت النتيجة المأساوية لذلك، هى عمليات إرهابية وصلت ذروتها إلى اغتيال الرئيس السادات الذى كان قد سمح لهذه التيارات بحرية حركة حتى تقضى على التيارات الناصرية واليسارية.
من هذه الجماعات المسلحة جاء أيمن الظواهرى ورفاقه الذين أسسوا مع أسامة بن لادن تنظيم القاعدة، الذى نقل الصراع من الحرب ضد أنظمة حكم محلية، إلى الحرب مع الغرب الذى يدعم هذه الأنظمة.
ومع قدوم الرئيس مبارك لم تتغير آليات الاستبداد، فمنذ اللحظة الأولى حكم بقانون الطوارئ، ولم يفتح باب الحريات العامة والفردية إلا قليلاً.. وانتهى حكمه ليس بالاغتيال كما حدث مع سابقه الرئيس السادات، ولكن بثورة ديمقراطية شعاراتها الحرية والعدل.
ولكن استكمال أهداف هذه الثورة الديمقراطية المدنية يواجهها تحديات كبيرة:
1- دعم البناء الديمقراطي، من خلال دستور يصون الحريات الفردية والعامة ويتطابق مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان
2- إلغاء ترسانة القوانين التى تعطل حرية الرأى والتعبير والتنظيم (حرية تأسيس الأحزاب والجمعيات الأهلية والنقابات وإصدار الصحف والإذاعات والمحطات التليفزيونية)
3- إعادة بناء مؤسسات الدولة المنهارة، والتى كانت تسيطر عليها الحكومات المتوالية، نحتاج إلى قضاء مستقل، وسلطة تشريعية قوية قادمة من انتخابات نزيهة، سلطة تنفيذية مقيدة بحدود تجعلها لا تتوحش على باقى السلطات. ونحتاج إلى مجتمع مدنى قوى قادر على صيانة الحريات العامة والفردية، وقادر على تفعيل دور المجتمع فى البناء الديمقراطى.
لكن كل هذا سوف يستلزم وقتاً، فالهدم أسهل من البناء، وهذا بالضبط الذى نحتاجه من الغرب، هو مساعدة هذه الديمقراطيات الناشئة، فهى القادرة على القضاء على التطرف المسلح، وهو ما سوف يفشل فيه الغرب بكل جيوشه، وفشل فيها عبر وكلاء محليين مستبدين.
فمصلحتنا المشتركة الآن هى بناء الديمقراطية والحرية للجميع، فى الشرق والغرب، فهى القادرة على نشر التسامح، وتعيد الأديان، كل الأديان، إلى رسالتها النبيلة وهى الحق والخير والجمال.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة