هل يبقى لهذه الطفلة التى ملأت وجهها ملامح الدهشة وهم يجبرونها على ارتداء غطاء الرأس أى معنى للحرية والكرامة والأمان؟! دينها لا يدعوها لذلك وهى محبة لدينها ولتقاليد تربت عليها، ولوطن تصورته وطناً للجميع ففوجئت أن الخضوع لفهم المتطرفين لشريعة أخرى هو شرط لاستمرارها فى الدراسة، وعندما تصورت أن هناك دولة وقعت معها صك المواطنة والأمان اكتفى مدير المنطقة بإعادتها إلى مدرستها لكى تتعرض للضرب والإهانة حتى تستجيب وإلا فالتهديد بالموت والقتل ذاته بدائل جاهزة لأن يسود «شرع الله» كما يفهمه المتنطعون، دعاة التخريب، فمحتكرو الحقيقة الذين أشاعوا الرعب منذ خفت قبضة الدولة عن رقابهم ومنذ نجح الثوار فى إزاحة أصدقائهم من مباحث أمن الدولة الذين كانوا يجيدون استخدامهم والسيطرة عليهم.
هذه الكآبة المسيطرة على شوارع مصر وعلى أرواح شرفائها لا يمكن تفسيرها إلا بأن أردأ ما فى الشخصية المصرية هو الذى يتجلى الآن بين شبابها ومواطنيها البسطاء.. ومتى؟ عقب ثورة فاجأتنا جميعاً بإظهار أجمل ما راكمته فينا حضارة ممتدة من تسامح وإنسانية وشفافية ونقاء.. نعرف ما يضمره لنا المتطرفون من الطرفين، ولكن ما يملأ القلب حزناً هذا التمرد البغيض السريع - والمتوقع لمشاعر الكراهية والتعصب البغيض، ضابط ماسبيرو الذى ظل يضرب فتاة تحمى جثة خطيبها ويشتمها بأقذع الشتائم، جندى الشرطة العسكرية المصاب الذى علق بتلقائية «المسيحيين ولاد الـ.....»، العمال والأقباط الذين امتنعوا عن الذهاب لأعمالهم فى الصعيد والريف، وامتنع أطفالهم عن الذهاب إلى المدارس تفادياً للإهانة والبصق على الوجوه والإيذاء بجميع أشكاله، ومن جيرانهم الذين اعتادوا الحياة بينهم وتصوروا أنهم شركاؤهم فى الوطن والإنسانية.. جحافل الشباب الذين رأيتهم بعينى يتجهون نحو ماسبيرو يصيحون صيحة عنصرية بغيضة وبألفاظ نابية تحت سمع وبصر الجميع «شمال يمين.. أم المسيحيين» بينما أخفت القبطية المرعوبة نفسها وهى تبكى وهمًا صدقته طوال سنين: أنها مواطنة من الدرجة الأولى تستطيع أن تضع كل هؤلاء خلف جدران السجون،. وعلى الجانب الآخر يتفاقم الغضب الهستيرى، الذى يصلح تماماً لأجواء التطرف ويعجل بنضج خمائر الإرهاب سرى ومعلن، وفى أضعف الأحوال بالانسحاب والرعب وفقدان الأمان، ثم النتيجة الحتمية بزيادة الاستقطاب حول مشاعر دينية لا يجب أن تتعدى حدود علاقة العبد بربه، فإذا بها- بفعل الاستخدام البغيض لمبادئ العقيدة فى ألاعيب السياسة النسبية والمتغيرة- تحول الولاء للوطن الواحد الموحد لتحقيق التقدم والكرامة إلى فرق متناحرة يظن كل منها أنه يمتلك الحقيقة كاملة بل سوف يجبر الآخرين على الامتثال لإرادته حتى لو وصل الأمر- فى سبيل إقصائهم- إلى الخلاص منهم انتصاراً لما يظنها كلمة الله الذى نصب نفسه متحدثاً حصرياً باسمه جل شأنه.
هذا هو المناخ الذى أشاعته أفكار التطرف وقبل أن تتمكن فكيف إذا نالوا - فى غفلة منا جميعاً - حق التشريع والتأثير فى قرارات تخص مصير هذا الوطن مستخدمين ديمقراطية لا يؤمنون بها بديلاً عن عنف مضمر لكل من يختلف معهم قيد أنملة بينما تنشغل الدولة ومن وضعت الثورة مصيرها فى يديه بتلطيف الأمور وتفويت الكوارث وغلق الجروح على ما تحمل من قيح فتصدر قانوناً- طالما نادينا به- لمنع التمييز ولكنها لا تضع أى آلية لتنفيذه.. وإلا ما معنى ترك كل هؤلاء الملتحين يشتمون الناس ويرمونهم بالكفر ويهددونهم بكل صنوف الوعيد دون أى تعقيب من سلطة تنفيذية أو نيابة عامة؟ أليست كل هذه جرائم تمييز، كل هذه القنوات التليفزيونية التى تدعو إلى كراهية شركاء الوطن ألا تستحق الإغلاق؟ كل الذين يستخدمون منابر المساجد والجمعيات الدينية والشعارات الدينية من سيوقفهم وكيف؟.. سمعنا أن شيخ المسجد الذى يدعو للسياسة سوف يتم نقله كعقاب؟ يا سلام.. أبشر بطول سلامة يا مربع.. وأين القانون؟ وأين الحبس والغرامة؟ وأين الدولة القوية القادرة على فرض هذا القانون بحسم فى مراحله الأولى- على الأقل- لكى تستعيد هيبة الدولة فى مواجهة من يسخرون منها ويهددونها علناً بأنهم سوف يفسدون العملية الانتخابية إذا شطب أى من مرشحيهم دون الحديث عن سبب الاستبعاد وشرعية الدولة.. الإسلام لنا جميعاً وليس ملكاً لفصيل ليحتكره فى شعاره الانتخابى.. إن ما يدعيه هو فهمه للإسلام وليس الإسلام نفسه المنزه عن غرض الوصول إلى كراسى الحكم لتنفيذ تصور سياسى قد نختلف معه ونهاجمه وندينه دون أن يظن أحد أننا بذلك نهاجم الدين الحنيف كما يتهمنا المتنطعون دعاة العودة إلى حقب التنافر المؤدية حتماً إلى رعب قادم سوف يكون مدمراً لكل ما بناه هذا الشعب العظيم فى حضارة وإنسانية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة