منذ أيام جلست أتابع على شاشة «السى إن إن» الأمريكية مناظرة على الهواء مباشرة بين عدد من المرشحين لمقاعد النواب فى الانتخابات القادمة، وكانت المناظرة تضم حوالى عشرة مرشحين ما بين الحزبين الرئيسيين فى أمريكا الجمهورى والديمقراطى.. وكانت تضم نساء ورجالاً بأعمار مختلفة وخلفيات - كما بدا - مختلفة أيضًا، فمنهم من هم نواب بالفعل، ومنهم رجال أعمال لم يسبق لهم الترشح مسبقًا، وآخرون أساتذة جامعات أو سياسيون فى الإدارة الأمريكية السابقة والحالية.
المهم أن المشهد فى مجمله كان يضم صورة من صور النخبة الأمريكية الساعية للفوز بمقاعد نواب للأمة الأمريكية، والأهم أن كل هؤلاء رغم اختلافهم، كانت هناك عبارة واحدة تتكرر فيما بينهم، وهى «الأمهات فى المنازل mothers at home».
النخبة الأمريكية لم تكن فى خطابها المتخصص عن الاقتصاد والقوانين، وحتى دهاليز السياسة الخارجية، لم تكن توجه خطابها إلا للأمهات فى المنازل، فما بين كل عبارة وأخرى كان المرشح يضع كلمة الأم فى المنزل يجب أن تشعر بسبب هذه السياسة بكذا أو الأم فى المنزل يجب أن تتأكد أن هذا القانون سيفعل كذا.. وتلخيصًا للأمر كل النخبة الأمريكية الطامعة فى الخدمة العامة أو الحصول على مكانة سياسية تسعى وراء إرضاء أو على الأقل إقناع الأمهات فى المنازل بجدوى برامجهم الانتخابية، وبعبارة لا تقبل الشك فإنهم يسعون إلى من يُطلق عليهم فى مصر أعضاء حزب الكنبة تندرًا واستخفافًا.
ومن العجب أن من أطلق هذا المسمى على الأغلبية المصرية هم النخبة بعد أيام من الثورة التى ضمت الجميع كنبة وفوتيه وحتى كرسى متحرك، وصارت كلمة حزب الكنبة تتناقلها وسائل الإعلام والناشطون السياسيون فى الشوارع أو على كراسيهم أيضًا أمام شاشات الكمبيوتر وكأنها تهمة تكلل رأس من توجه إليه تمامًا ككلمة فلول.
وكنت أحيانًا ألتقى ببعض ممن حصلوا على توكيل الحديث عن الثورة أو من هم بالفعل من دعائم أيام الثورة، ومن الغريب أنهم كانوا يتحدثون عن حزب الكنبة باستخفاف وعدم وعى.
كنت سابقًا أتفهم سخرية الحكام والساعين إلى السلطة من أعضاء حزب الكنبة، لأنهم بلا حول ولا قوة فى التأثير، ولأن أصواتهم لا تعنى شيئًا فكل الانتخابات وكل الاستفتاءات مرتبة مسبقًا.
ولكنى لا أستطيع أن أفهم أو أستوعب نخبة تقدم نفسها بعد ثورة شعبية غير مسبوقة تتهكم، ولا تخاطب حزب الكنبة بل تعتبرهم عبئًا عليهم فى أقل الأحوال، وعبئًا على الوطن فى أقسى الأحوال.
النخبة الأمريكية المدركة الواعية تسعى بكل السبل لأعضاء حزب الكنبة لأنهم يدركون أن أعضاء هذا الحزب هم الذين سيرفعونهم على الكراسى النيابية، وقد يصلون بهم إلى المكتب البيضاوى فى البيت الأبيض، بينما النخبة المصرية الحديثة جدّا والشابة جدّا تسير على نفس نهج نخبة ما قبل الثورة برغم اختلاف الظروف التى تسعى هذه النخبة لتغيرها وتتباكى عليها ليل نهار من ضياع للديمقراطية وحق المصرى فى تقرير مصيره، متناسية أو متجاهلة أن أعضاء حزب الكنبة هم فقط وسيلتهم إلى مبتغاهم.
فى كل بلاد الأرض هناك نخبة تقود بسعيها إلى أعضاء حزب الكنبة، ولكن فى مصر وحدها هناك نخبة تريد أن تقود بلا كنبة، ولا حتى كرسى، بل الأهم أنهم يسخرون من الكنبة التى ما عادت تثق بهم للأسف، مما خلق الفجوة فى شعب خرج منذ شهور قليلة فقط بكل طوائفه وكراسيه وكنبه صارخًا: الشعب يريد تغيير الكرسى، لأن الكنبة زهقت.. أما آن للكنبة المصرية وأهلها أن يجدوا من يفهم ذلك؟!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة