إن ما تشهده الساحة العربية هذه الأيام من أحداث سياسية كبرى، منذ بداية الربيع العربى الذى هبت معه نسائم الحرية على شعوبنا، يؤكد لكل الطغاة أن المُلك الذى يحرصون على حمايته والدفاع عنه، من الممكن أن يذهب هباءً منبثاً بين عشية وضحاها، بل يصبح وبالاً عليهم، وسبباً فى هلاكهم. ولعل خير دليل على ذلك ما تناقلته وسائل الإعلام المختلفة يوم الخميس الماضى، من مشاهد وصور نهاية الطاغية القذافى الذى عاش على مدى 42 عاماً، هى فترة حكمه لليبيا، فساداً وعلواً فى الأرض وقهراً للشرفاء.
وصدق ربنا الذى قال «قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ»، فكل طغاة العرب بداية من مبارك، ومروراً بزين العابدين وعلى صالح، ونهاية بالقذافى، وهبهم الله الحكم بيسر وسهولة، وتكاتفت معهم فى أول الأمر شعوبهم، لكن للأسف سرعان ما انقلب الطغاة عليهم، وحاولوا استعباد أبناء أوطانهم، ناسين أن الشعوب إذا أرادت الحياة يوماً فلابد أن يندحر الطغاة.
وتناسى هؤلاء أيضاً أن لله سنناً فى كونه، ومن أهمها أن من يتحدى إرادة الشعوب، ويتطاول على بنى جلدته، ويفسد فى الأرض، وينهب الثروات، سينزع الله ملكه، وسيتجرع كأس الذل والهوان، ويسكن مكان من تجبّر عليهم، وزجّ بهم فى السجون والمعتقلات. إن ما حدث ما هو إلا تصحيح لمسار العدالة فى أوطاننا، ويجب علينا ألا نتهاون أو تأخذنا شفقة بمن أذل شعوبنا، ولنضرب بيد من حديد على يد الداعمين والمتورطين فى التصدى لهذه الثورات، فالمرحلة التى نعيشها تحتاج لقرارات حاسمة لمواجهة الأفاعى المتلاعبين بأمن أمتنا العربية.
لقد أعطانا الربيع العربى دروساً تاريخية، ستحفر فى ذاكرة أمتنا، وتتناقلها الأجيال المقبلة، وستكون سيفاً مسلّطاً على عنق كل حاكم تحدثه نفسه بمخالفة إرادة شعبه، وأرى أن شباب الأمة الأطهار نجحوا بالفعل فى التخلص نهائيا من عصور الطغاة، ولن يستطيع حاكم بعد ذلك أن يقدِم على ما يعكّر صفو الرأى العام فى وطنه.
إن سقوط الطغاة وزبانيتهم يجعل جميع الشعوب العربية تحرص على أن تحافظ على مكاسب هذه الثورات، فالبناء والتنمية معارك كبيرة وتحديات عظيمة تحتاج لجهود جبارة، من أجل العودة للمشهد العالمى كقوى مؤثرة فى القرارات العالمية، وليس أتباعاً لمفسدى النظام العالمى، فإذا كانت ثوراتنا نجحت فى الإطاحة بالطغاة، فليس معنى ذلك أنها اكتملت ثمارها، لكنها خطوة على طريق التقدم نحو بناء أمتنا من جديد، وعلينا أن نواصل العمل ليل نهار لتعويض شعوبنا عن عصور الفقر والإهانة فى ظل حكم هؤلاء المجرمين.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة