العنف الذى واجه به أمن حبيب العادلى المتظاهرين كان شديد الاستفزاز.. ولكن الأكثر استفزازا هو الخطاب الإعلامى الذى خرجت به الحكومة المصرية لتفسير ما حدث، وهو الخطاب الناتج عن اجتماع كل رجالها الإعلاميين يوم الثلاثاء 25 يناير من الثانية عشرة ظهراً إلى الثالثة بعد الظهر فى مكان ما مع شخصيات ما من لجنة السياسات والحزب الوطنى.
ما علينا.. خطاب الحكومة الإعلامى اعتمد فى ضربته الأولى على تفسير ما حدث بأنه نتيجة ركوب الإخوان موجة المظاهرات من الثالثة ظهراً.. وكما أن الأمر مجرد حفلة شباب يرقص التانجو صباحا حتى حولها الإخوان إلى حركة معارضة مغرضة مساء.. استخفاف واضح يعكس ارتكان الحكومة على حوائط إعلامية مائلة.
حركة المعارضة التى تصدرها الشباب هى انعكاس لمطالب شعب وتراكم لمعاناة سنين تحت حكم الحزب الوطنى، وشارك فيها كل فئات الأمة العمرية والمهنية والسياسية، واحتوت مشاهدها على مصريين إخوان وشيوعيين وناصريين ووفديين، ومن حزب الغد ومن غير الأحزاب.. ولا يعنى مشاركة مصرى إخوانى فى المظاهرة أن الحدث كله قد أصيب بفيروس المحظورية الخطير.. وصفة المواطنة لم ترفع بعد عن عناصر الإخوان فهم وإيمانيات الله لسه مصريين.
الضربة الثانية لعباقرة الحكومة الإعلاميين من الحوائط المائلة.. هو وصف الحركة بأنها حركة شباب غاضب ولا دخل لكل التشكيلات السياسية والشخصيات المعارضة بها، واعتبرت الحكومة أن مشاركة أى شخص من المعارضين فى هذه الاحتجاجات والتفاعل معها هو ركوب لموجة الشباب، وذلك لاختلاف الفئات العمرية أو لعدم الاشتراك فى صفة تنظيمية مشتركة!! حوّل منطقى غير مفهوم ذكرنى بحوار فى مجلس الأمة بين الرئيس الراحل أنور السادات وأحد نواب الشعب عندما قال له النائب: إن سعر البيضة وصل لـ5 قروش، وهو ما يزيد عن قدرة الأسر الفقيرة.. فنظر له السادات وسأله: "أنت ما تقدرش تشترى بيض" فأجاب النائب: "بأقدر" فرد السادات "يبقى بتحتج على أيه".. وكأن النائب هو نائب عن نفسه وظروفه الخاصة وليس نائباً عن الشعب وهمومه.. هو نفس المنطق الذى تعامل به النظام المصرى مع السياسيين المصريين عندما انتفضوا ليقوموا بدورهم وواجبهم فى التفاعل مع مطالب الشعب فى 25 يناير.
استخفاف ما بعده استخفاف مبنى على منطق يشبه منطق "عركات الحارة" عندما يقوم أهل حارة بالتعارك مع أهل حارة أخرى فتقوم بقية الحارات بموقف المشاهد لأن الأمر لا يخصها!! هموم المصريين يا حوائط الحكومة المائلة ليست حوارى منفصلة.
عندما خرج الشباب ليحتج على البطالة والخلل الأمنى الواقع بين مبالغة فى الأمن السياسى وانهيار فى الأمن العام.. وعلى قانون الطوارئ.. وعلى ارتفاع الأسعار.. خرج ليعبر عن مطالب أزلية للشعب.. هو تتويج لنضالات أعوام طويلة من كل من اعتبرتهم الحكومة دخلاء شهدوا خلالها كل أنواع الاضطهاد من عزلة وسجن وتشريد سواء كانوا إخوانا أو شيوعيين أو وفديين أو حركة كفاية أو 6 إبريل أو حزب الغد.. أو.. أو..
كل هؤلاء من فئات الشعب ضحوا بحياتهم واستقرارهم ورضوا بموقع المعارضة فى دولة ديكتاتورية أمنية بوليسية للمطالبة بكل ما طالبت به مظاهرات 25 يناير.. سنوات طويلة من النضال ضد نظام شاخ على مقعده، ومازالت حركة المعارضة الوطنية فتية وشابة بكل خبراتها وتراكماتها ودماء مناضليها التى تنتقل من جيل إلى جيل.
إرادة الشعوب يا حوائط النظام المائلة لا تقاس بالسنين ولا تشيخ، فهى إرادة بطبيعتها شابة متجددة لا تعرف التقاعد.. أما أنتم ونظامكم فحان وقت تقاعدكم لأنكم وخطابكم الإعلامى لم تتجددوا منذ سنوات طويلة مظاهرات 25 يناير هى تتويج لإرادة المصريين منذ عشرات السنين، ولأنها مطالب شعب فهى دائما شابة وأدواتها من الشباب.. الأنظمة تشيخ.. ولكن مطالب الشعوب وإراداتها لا تشيخ ولا تتقاعد.
تحية لكل المصريين الشرفاء.. وهداكم الله حوائط الحكومة المائلة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة