تزايدت حالات الانتحار احتجاجاً على الأوضاع، خلال الأيام الأخيرة، بصورة تتضح معها كيف هانت على الناس حياتهم، فبعد وفاة الشاب أحمد هاشم فى الإسكندرية متأثراً بحروقه البليغة لقيت ربة منزل مصرعها بعد أن أشعلت النار فى نفسها بحى الخليفة، اعتراضاً منها على أوضاعها المعيشية، وتوفى مجدى وديع ومحمد فتحى بعد أن ألقيا نفسيهما من شرفة منزلهما بوسط القاهرة فى حى المرج.
وفى الإسكندرية أيضا لقى الشاب عبد الله هارون الذى لم يتجاوز 19 عاماً مصرعه بعد أن ألقى بنفسه من شرفة أحد الفنادق، وشنق آخر نفسه بسبب خلافات أسرية.
"الانتحار هو الحل" شعار يبدو أن المواطنين المعذبين بحياتهم القاسية يرفعونه احتجاجاً فى وجه حكومة لا تلبى الحد الأدنى من مطالبهم، وكعادة المصريين، يدفعون الثمن من صبرهم على الأذى ومن تحملهم ما لا طاقة لهم به ومن حياتهم عندما تضيق عليهم الأرض والسياسات الحكومية!.
احتجاجات المواطنين المصريين بالتخلص من حياتهم لم تكن حالة مصرية خالصة، انفردنا بها، ولكنها كانت صدى للمبادرة الاحتجاجية الملهمة للشباب التونسى الراجل محمد بو عزيزى الذى أصبحت حكايته مثلا يجوب الآفاق، ويتكرر فى جميع البلاد العربية تقريبا، وفى الوقت الذى تعاملت فيه البلاد العربية مع أشكال الاحتجاجات الانتحارية لديها كل بطريقته وحسب وأضاعه الاقتصادية، جاء الرد الرسمى المصرى غريبا فى عناده وإصراره على تجاهل الأسباب التى تؤدى بالناس إلى التخلص من حياتهم، فقد أخرج المسئولون عندنا خاتم الجنون من الأدراج ورفعوه استعدادا لختم كل من يخلص من حياته احتجاجاً أو قرفا أو زهقا أو يأسا، وبقدرة قادر أصبح جميع المحتجين المنتحرين عندنا بما فيهم من سينتحرون خلال الأيام والأسابيع المقبلة مرضى نفسيين!.
كلما انتحر مواطن بتأثير المد الـ"بو عزيزى"، ظهر أهله فى وسائل الإعلام وعلى وجوههم انكسار غريب لا يظهر إلا على من تلقوا تعليمات غليظة مشددة وهم يعتصرون حزنا، ظهروا يحملون شهادات طبية لفقيدهم تفيد بأنه يعالج من الفصام والبرانويا والهلاوس السمعية البصرية والاكتئاب ناهيك عن "الاستبحث" المرض النفسى الذى استحدثته المطربة الكبيرة شادية!.
بالطبع لا أحد يؤيد الانتحار كمبدأ احتجاجى، فهناك عشرات الأساليب الاحتجاجية التى يمكن أن تفى بالغرض وتتواصل لتقديم الرسالة إلى من يهمه الأمر، ولعل العمال الذين باتوا الليل فى الشتاء وقضوا نهار الصيف أمام مجلس الشعب وضحوا بفرحة الأعياد فى بيوتهم، حتى وصلوا إلى ما يرغبون فى تحقيقه من مطالب مشروعة، لعلهم النموذج الذى ينبغى احتذاؤه فى الاحتجاج السلمى لانتزاع المطالب الشعبية من حكومة نظيف، لكن فى الوقت نفسه لا يجب الاستخفاف بمصائر المحتجين المنتحرين الذين أرادوا أن يعلنوا على الملأ كيف فاض بهم الكيل، ولا يجب الاستخفاف بعقولنا والزعم بأن الاحتجاج هو المعادل للجنون!.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة