تقودنا نظرية المؤامرة دائما إلى حيث لا يرضى عقلنا لكنه "القلب وما يريد"، فنحن نرفض أن نتخلى عن مواصفاتنا القياسية كعرب ومصريين فى أن نجرى للاختباء خلف أقرب حائط لنحتمى فيه مع أول زخة مطر أو هبة ريح، نبحث عن أول قبر لنخفى فيه فشلنا، وبالمرة ندفن معه بعضاً من الحقائق المخزية، قد أختلف أنا مع السلفيين وقد تتفق أنت معهم، وقد ننخرط نحن الاثنان يوما فى سكتهم، أو ربما نكون أحد ضحايا أخطائهم الفكرية، لكننا لن نرضى أبدا أن يكونوا هم كبش الفداء على مذبح الوحدة الوطنية، أو أن نستسلم لفكرة شيطانية بأن نتخلص منهم و"نستف" القضية بضربة واحدة، حتى وإن مثلوا صداعاً للمستنيرين والمثقفين، والنخبة المفكرة، فلا يجب أن نقع فى الخطأ الذى نحذر منه بأن نرفض اعتبارهم أصحاب فكر، حتى وإن انحرفوا أو حاد بعضهم عن الطريق.
العار كل العار فى بلد يحلم بالتحضر وتنادى بالمواطنة وحرية الفكر، أن يصبح السلفيون فيها بين عشية وضحاها هدفاً لكل صاحب قلم، أو حامل ضغينة، أو هاو للكذب، فالأمر بدأ بتلميحات بأنهم محرضون، وإن كنت مقبولة، لأن الأمر يعتمد على التفكير والنوايا، وشيئا فشيئا أدخلوا عنوة إلى دائرة الاتهام، لا لشىء إلا لأنهم استخدموا حقهم فى حرية التعبير والتظاهر، ضد ما اعتبروه خطأ من جانب الكنيسة، هنا أيضا يكمن خطر آخر مفاده أن على كل من يتظاهر من أجل أى قضية أن يتحمل تبعات هذا التظاهر، حتى وإن كان تفجيرا إرهابيا راح ضحيته عشرات الأبرياء، نحن فقط نريد أن نعرف الجانى الحقيقى، حتى ولو كان ولياً من الأولياء، وليس أن نصطاد أول عابر سبيل فنلصق به التهمة لمجرد أنه ملتح.. فهل هذا ما يريده الأحرار؟
التخلص من السلفيين فى مصر لن يكون أبداً هو الحل الذى يريح ضحايا تفجيرات القديسين فى قبورهم، ولن يكون الثأر المناسب الذى يشفى غليل أهاليهم، ولكن على العكس، سيفرز أجيالاً أخرى مشبعة بالقهر والإحساس بالظلم، لا يكون نشر المواطنة بسحق الآخر، أو الانتقاص منه، ولكن المواطنة الحقة أن تواجه فكر الآخر بفكرك، ومهما ذهب بكلاكما الغضب والاختلاف لا يجب أن يصل بكما للدم، تستطيع أن تتخيل نفسك تخلصت من كل الأقباط فى مصر وهدمت كنائسهم، أو أنك أحرقت كل السلفيين وأغلقت منابرهم، فهل تستطيع مهما أوتيت من جبروت أن تتخلص من الحقائق والأفكار والعقائد التى تجرى فى عروق أبناء هذا الوطن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة