يوسف الحسينى

ساقط مع مرتبة القرف

الأحد، 02 يناير 2011 09:04 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لست هنا للتعليق على أحداث كنيسة القديسين فى الإسكندرية وإنما للتعليق على وضع سياسى مخزٍ يزيد من تأزم الموقف السياسى الداخلى المصرى أمام العالم، مما يؤثر سلباً على الأداء الخارجى، فقد داومت أجهزة الدولة مجتمعة بكافة هيئاتها الرسمية فى تفاقم الأزمة الطائفية فى مصر منذ عهد الرئيس أنور السادات وكلمته الشهيرة "أنا رئيس مسلم لدولة مسلمة" وحتى هذه اللحظة، فبدأت بأحداث الزاوية الحمرا وحتى كنيسة القديسين. فما كان من أجهزة الإعلام سوى دفن الرؤوس فى التراب وإنكار ما يحدث بشكل شبه يومى فى أرجاء مصر، ولا نكاد نعرف عنه شيئاً سوى من خلال مواقع الأقباط على شبكة الإنترنت أو من خلال المدونات.. فعلى سبيل المثال لا الحصر، كم منا يعرف ما دار يوم الأربعاء 29 ديسمبر 2010 فى قرية "دمنو" بمركز سوهاج، حيث قامت مشاجرة طائفية استخدمت فيها الأسلحة البيضاء والعصى والشوم والحجارة، وفرضت فيها الأجهزة الأمنية كردونا أمنيا ومحاصرة كاملة لمداخل ومخارج القرية.

هذا هو ما يفعله الإعلام الرسمى المصرى مدفوعا بسياسات غير واعية من حزب حاكم يفتقد لكل أشكال الشرعية والتأييد الجماهيرى مما دفعه لتزوير نصر زائف فى الانتخابات البرلمانية، والتى رسخت مفاهيم الاستبداد فى عقول الداخل والخارج، وصارت الفضيحة البرلمانية حديث أهم الصحف فى أمريكا وأوروبا، ولم تشر لهذه المقالات أى من صحف الدولة الثلاث أو مجموعة قنوات التلفزيون الرسمى المصرى، وكأنها جميعا ملك الحزب الحاكم المذعور.

وإليكم ما يقوم به الجهاز الإدارى من تجاهل واضح للأزمة الطائفية، بل وتأجيجها، فقد قام السيد محافظ القاهرة عبد العظيم وزير "بطل مذبحة الدويقة" فى شبرا.. المنطقة التى تتعانق فيها أجراس الكنائس بمآذن المساجد.. يتلاحم فيها المسلمون مع الأقباط يتقاسمون الأفراح والأحزان.. المسلمون والأقباط فيها نسيج واحد لا يستطيع أحد فصله.. يؤمنون جميعاً بأن الدين لله والوطن للجميع، قام فى تلك المنطقة بتغيير أسماء الشوارع والميادين إلى أسماء إسلامية متجاهلاً مشاعر الأقباط فى هذه المنطقة، وكذلك القيمة الأثرية لهذه الميادين المسيحية.

هل نبدأ فى الحديث عن الحرية المقننة فى إنشاء دور العبادة، وعن حجم الصعوبات التى يواجهها المسيحيون لإنشاء كنائسهم، مع الوضع فى الاعتبار مدى السهولة التى تبنى بها مساجد المسلمين! ولنتذكر معا أحداث العمرانية، والتى لم تستطع أجهزة الدولة التكتيم عليها نظراً لموقعها الجغرافى.

ثم نأتى إلى الدور الأبله الذى تلعبه الدراما التلفزيونية والأفلام السينمائية فى أغلبها لا أعمها من محاولة التأكيد على شخصية القبطى المسالم الأشبه بالملاك النورانى، وكأنه ليس مواطناً مصريا عاديا متناسين عن عمد أن بين المسلمين والأقباط من هو صالح وآخر طالح.

ثم بالنظر للهيكل السياسى فى مجمله لن تجد سوى وزيرين واثنين من المحافظين، وكأنهما ذر للرماد فى العيون، بشكل من شأنه أن يثير التساؤلات ثم الحفيظة فيما بعد عندما لا تجد إجابة شافية عن سبب هذا الإقلال المتعمد.. فإذا سلمنا بإحصاء ذاتى أعلن عنه البابا شنودة الثالث طبقا لسجلات الافتقادات الكنسية، يقدر عدد المسيحيين بأكثر من 12.7 مليون داخل مصر - وهم أكثر من هذا العدد - فمن المؤكد أن هناك الكثيرين الذين يصلحون لتبوء مناصب كمحافظين أو وزراء أكثر كفاءة من الحاليين أو رؤساء جامعات ...الخ، بل إن القائمين على الوطن تفتق ذهنهم عن فكرة مقاعد الأقباط فى البرلمان، وكأنهم يرسخون لمبدأ أن الأقباط أقلية منعزلة عن النسيج المجتمعى والسياسى فيتم فرض كوتة لهم داخل المجلس!! بدلا من وضع ضمانات لنزاهة وحرية الانتخابات، فننتخب من نريد قبطياً كان أو مسلماً.. رجلا كان أو امرأة.

لا نطالب هنا بأن نحول الدولة إلى كيان مسيحى، كما لا نريد تحويلها إلى مؤسسة إسلامية.. فلا نريد سوى استقرار طائفى يضمن للأمة استقرارها، إلا أن القائمين على هذا الوطن لم يلتفتوا قط إلى ما يسمى بمتوالية العجلة التاريخية أو ما اصطلح عليه العامة "التاريخ بيعيد نفسه".

فبالرجوع لما قبل عهد محمد على (1805-1848)، حيث نجد التحدى السافر لشعور الأقباط فى كل أرض مصر. ولكن ها نحن نرى عند وصول محمد على للسلطة التى تولاها فى عصر مضطرب أو قل غاية فى الاضطراب حيث كانت خزينة الدولة خاوية من المال، نجد محمد على بدأ فى إتباع سياسة تسامح فقضى على التفرقة بين القبطى والمسلم لأن كلاهما يستطيعان أن يقدما للبلاد أحسن الخدمات. كما اتجهت سياسة محمد على إلى مساواة تامة بين المسلمين والأقباط فى الحقوق والواجبات فعين أقباطاً مأمورين لمراكز برديس والفشن بالوجه القبلى وديرمواس وبهجورة والشرقية. لقد اتبع محمد على هذه السياسة لسعة أفقه وهذا هو سر تفوقه وتوفيقه.. وتجدر الملاحظة هنا أن تعيين أقباط مأمورين مراكز هو بمثابة تعيين محافظين للمحافظات الآن.

لم تلبث هذه السياسة التى اتبعها محمد على تجاه الأقباط أن أتت ثمارها فانتشرت روح المساواة بين جميع المصريين فى جميع القرى المصرية وتعاون المسلمون والمسيحيون تعاونا صادقا من أجل مجد الوطن. وهكذا ظل الأقباط طوال عصر محمد على عنصراً فى بحر الأمة المصرية التى تعيش فى سلام ولم تقع بهم إلا اضطهادات خفيفة جدا لا تذكر، ولا ينسى الأقباط أنه فى عهده ألغى محمد على قيد الزى الذى كان مفروضاً على الأقباط فى العصور السابقة. كما لا ننسى أيضا أن عصر محمد على يعتبر من أزهى العصور التى مرت بالكنيسة القبطية، حيث ألغى كل القيود التى كانت تفرض على الأقباط لممارسة طقوسهم الدينية، ولم يرفض للأقباط أى طلب تقدموا به لبناء أو إصلاح الكنائس. وتحدى قصر عابدين عددا كبيرا من الأوامر الخاصة بالكنائس، سواء لتعمير الكنائس أو مساعدتهم فى ذلك أو الاستعجال فى تنفيذها، وقد تعددت هذه الأوامر لبناء الكنائس فى عهود سعيد باشا والخديوى إسماعيل باشا.

أما الخديوى إسماعيل باشا (1863-1878) الذى تلقى علومه فى فيينا ثم باريس فقد وجد عند عودته إلى بلاده أن الجو يصلح لإتباع سياسة من التسامح والمساواة على أوسع نطاق، ونجده يقرر علانية ورسميا المساواة بين الأقباط والمسلمين، وذلك بترشيح الأقباط لانتخابات أعضاء مجلس الشورى ثم بتعيين قضاة من الأقباط فى المحاكم.

كما يجب ألا ننسى أن الخديوى إسماعيل هو أول حاكم طلب رتبة الباشوية لرجل مسيحى، وقد شغل كثير من الأقباط فى عصره مناصب عالية فقد شغل واصف باشا وظيفة كبير التشريفات وآخرون، وباختصار نستطيع أن نؤكد أن العلاقات بين الأقباط والمسلمين فى عصر الخديوى إسماعيل تحسنت تحسنا ملحوظا، وأن مبدأ المساواة السياسية والاجتماعية أصبح أمراً مألوفاً فى البلاد، فقد كان يشجع أدبيا ويدعم ماديا التعليم الطائفى القبطى لأن الخديوى إسماعيل كان يؤمن بأن القبطى مصرى كالمسلم على حد سواء، هكذا كان الأقباط يتمتعون بالمواطنة الكاملة المتساوية مع أخوتهم المسلمين وذلك فى القرن التاسع عشر.

هكذا كان حال مصر بعنصريها الأساسيين عندما كان قائما عليها من يعى مشاكل الوطن، ويعرف كيفية وضع الحل المتوازن لضمان الاستقرار الداخلى والاستفادة الكاملة من طاقات أبنائه.

إننا الآن بصدد وضع شديد الاحتقان، ويجب علينا جميعا الوقوف بمنتهى الإصرار والجدية والنضج المجتمعى لتصحيح ما تم إفساده بل وإسقاط حزب استحوذ على السلطة، وأفسد الحياة السياسية، ويحاول تدمير النسيج المجتمعى على مدار 36 عاما.. حزب يصر على إفقار الشعب وترسيخ الجهل وتهجير العقول وإفلاس الوطن.. حزب حاصل على تقدير ساقط مع مرتبة القرف.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة