حدث أن أحبت مارينا زكى بنت القنطرة شرق التى لم تتجاوز التاسعة عشرة من عمرها، ولأن الحب خصوصا فى هذه السن الصغيرة يصنع المعجزات، فقد قررت مارينا أن تتحدى العالم وأن تعلن أمام الجميع أنها اختارت أن تكون أمينة لقلبها حتى لو كان ذلك على حساب أسرتها ومجتمعها كله.
المشكلة الأولى التى واجهت مارينا زكى أن الشاب الذى أحبته ليس على دينها، هو مسلم وهى مسيحية أرثوذكسية، ولأنها فتاة شجاعة وحرة وقادرة على الاختيار فى زمن "امشى جنب الحيط "، اختارت أن تثبت لمن تحب أنها فضلت حبه على ما ومن عداه، ورغم أن الدين الإسلامى لا يمنع زواج المسلم من المسيحية المتمسكة بدينها، قررت مارينا أن تؤكد لحبيبها اتفاقها الكامل معه حتى فى الدين.
قصة من قصص الحب الجميلة التى لا تكتمل غالبا فى هذه المرحلة العمرية الصغيرة، ويمضى أصحابها فى حياتهم والمرارة تملؤهم بعد أن انكسرت إراداتهم وأرواحهم، لكن قصة مارينا ومحمد لم تنته هذه النهاية السيئة بفعل إصرار الحبيبين، وتضحية مارينا الكبيرة، الأمر الذى من المفترض أن يشعل فينا أحاسيس إيجابية، حول جمال هذه الحياة رغم قسوتها وضرورة أن نعيشها بحلوها ومرها، وأن نعمل قدر استطاعتنا على أن نرى مواطن الجمال فيها وأن نبتعد عن كل ما هو قبيح.
ما حدث فور انتشار خبر مارينا ومحمد فى القنطرة شرق، كالعادة اتهمت أسرة مارينا محمد وأهله بخطفها، ثم أقامت عزاء لها بعد اعتناقها الإسلام على اعتبار أنها ماتت بعد خروجها من الملة، وفى المقابل انتشرت جماعات الشباب التى تصور وتوزع وثيقة إشهار إسلام مارينا فى الأزهر، على المقاهى وفى الشوارع وعلى الإنترنت، وأصبحت قصة مارينا ومحمد، العاشقين الصغيرين اللذين قررا أن يتحديا العالم ببراءتهما وتوهجهما، مادة مثيرة يتلقفها مجتمع مريض بالتطرف، يرى فى تضحية مارينا انتصارا مدويا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وكأنها فتحت القدس أو استعادت الأندلس، ويعاير بإسلامها إخواننا الأقباط، وكأنها سبة لهم جميعا وليست اختيارا فرديا حرا من فتاة محبة.
على الناحية الأخرى يهاجم المتطرفون من الأقباط المسلمين ويطعنون فى دينهم ، وكيف أنه ينتشر بخطف القاصرات المسيحيات، ويفتقد السماحة التى تسمح للمتنصرين من المسلمين بالإعلان عن وجودهم بحرية، وهكذا وجد مارينا ومحمد نفسيهما مدفوعين داخل موجة التطرف العام، ولا تستغربوا إذا وجدتم مارينا تسجل الشهادات بالصوت والصورة لإثبات اختيارها الإسلام دينا، بعيدا عن أى مؤثرات أو ضغوط ولا تستبعدوا أن يروج المعسكر الآخر صورا وفيديو عن مارينا الجميلة قبل اختطافها من المسلمين البرابرة!
هكذا أصبحنا مجتمعا متطرفا يحول الجمال إلى قبح ويزرع الديناميت بين أضلاعه متوهما الانتصار لأمر الله، غافلا عن أن الانتصار لله الحق لا يأتى إلا عبر الانتصار للإنسان أولا وليس عبر تشويهه أو قتله أو استخدامه للتعبير عن أسوأ ما فينا، ويكفى أن تلقوا نظرة عشوائية على تعليقات القراء على ما ينشره اليوم السابع من تطورات لقصة مارينا ومحمد، لتعرفوا إلى أى حد وصلت درجة الاستقطاب والشحن الطائفى، وكيف أصبح مرض التطرف أكثر الأمراض خطورة الآن على مجتمعنا الذى يعانى من مشاكل اقتصادية واجتماعية طاحنة.
يا عالم ارفعوا أيديكم عن مارينا ومحمد واتركوهما يعيشان فى سلام وابحثوا أنتم أيضا عن سلامكم..
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة