عزيزى هشام طلعت مصطفى.. أنا شاب مصرى على أعتاب الثلاثين من العمر.. لا يحمل فى قلبه لك أى ضغينة أو حقد، بل إننى أدعو الله لك أن يفك سجنك إذا كنت بريئا بالفعل، وإن كنت غير ذلك فحسابك على الله.. عزيزى طلعت بيه.. لن أطيل عليك ولكننى أردت أن أستغل فرصة نظرة الأمل فى عينيك بنجاتك من حبل المشنقة، وأن أطلب منك شقة.. نعم شقة صغيرة تتسع لشخص وزوجته بمنافعها - الشقة وليس الزوجة - وهذا ليس تسولا لا سمح الله، ولكن لأننى عرفت أنك رجل تحب الحياة وتشترى الأرواح، وبما أنك دفعت دية المغفور لها سوزان تميم، فلا أستكثر عليك أن تنقذ روحين هائمتين فى فضاء الوطن تبحثان عن سكن يأويهما ومن الممكن أن يضيعا فى لحظة يأس وكفر بهذا البلد.
عزيزى هشام.. أعرف أن الوقت ربما لا يبدو مناسبا لك، ولكنه بالنسبة لى أفضل فرصة لأسألك وأنت تقف من جديد على أبواب الحياة ما هو شعورك وأنت جربت الاقتراب من الموت، لدرجة أن ظلال عزرائيل كانت تتمايل على جدران زنزانتك الفاخرة، أنت الآن تعرف شعور كثيرين غيرك يعيشون هنا على نفس الأرض، وأرواحهم معلقة فى الهواء بلا سكن ولا وظيفة ولا مستقبل، ولا يملكون حتى شبرا من الأرض التى كانت لأجدادهم فى السابق، هؤلاء لا يعرفون شيئا عن الفيلات المطلة على حمام السباحة، ولا يعرفون الساونا أو السوشى الشات أو المولات الكبرى الشوارع النظيفة فى "مدينتى"، لم يسافر أحد منهم من قبل للسياحة فى دبى أو التسوق فى لندن، هؤلاء يا عزيزى يقتربون من الموت كلما طال الوقت بين الوجبة وأختها، وكلما ابتلت الأرض من تحتهم بمياه المجارى، أو اهتزت أسقف عششهم إيذانا بسقوط صخرة غاشمة عليهم، تخيل شعور أحد هؤلاء لو منحته شقة فى "مدينتك" وليذهب الاستثمار إلى الجحيم، ساعتها سيشعرون مثلك الآن بالضبط، وكأنهم خلقوا من جديد ليستنشقوا رحيق الحياة والأمل فى الاستمتاع بلذاتها، أنا لا أطلب كثيرا.. أريد فقط أن نتساوى فى هذا الشعور ولو للحظات.
عزيزى هشام.. أقسم لك بالذى أنجاك من الإعدام إن كل ما سبق ليس حقدا منى على الأغنياء، أو كرها فى قطار التنمية الذى انطلق ولم نعرف إلى أين وصل، صدقنى أنا راض بما قسمه الله لى، إلا أننى أستخدم حقى فى حلم بأنى أجل فى بلكونة شقتى بمدينتك، وأنا أنظر إلى الخضرة وبجوارى الوجه الحسن.. هل هذا كثير على مواطن مصرى مثلك تماما يحمل بطاقة انتخابية ويعيش فى سجن كبير، وهل هذا طلب ثقيل على قلبك، فى وقت تحول فيه بعض الوزراء فى مصر إلى سماسرة أراضٍ، يستطيع الواحد منهم أن يبلع فى كرشه 100 ألف فدان دفعة واحدة ثم يتجشأ تصريحات واهية عن تعمير الصحراء الجرداء، وكيف أن لغة السوق ومقتضيات الاستثمار أصبحت أكثر فاعلية من القانون والدستور، كل هؤلاء سينظرون لى عندما أطلب منهم شقة على أنى شخص تافه بلا قيمة يريد أن يعطل وقتهم الثمين..
سيدى هشام كما ترى أنا خال من كل العيوب التى تجعلك مترددا قبل أن تمنحنى شقة صغيرة فى مدينتى "آسف أقصد "مدينتك".. فما بالك أيضا لو أخبرتك أننى والحمد لله لم أصب بعد بمرض "السكرى" ولم أحب فى يوم من الأيام أغانى "سوزان تميم".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة