قدر لأمنا السيدة عائشة رضى عنها وعن أبيها وبلغنا شفاعة زوجها صلى الله عليه وسلم، أن تكون دائما محلا للنقد ومرمى للهجوم، وتكون سيرتها وقودا للفتن فى حياتها وبعد مماتها، بدءا من حديث الإفك ومرورا بموقعة الجمل وحتى عصرنا هذا بعد أن صارت فى ذمة الله خرج كثيرون ممن تناولوا سيرتها من إطار النقد التاريخى، إلى إطار التجريح المغرض، والبغض المذهبى أو حتى إلى الكيد السياسى، لوجودها فى منتصف المسافة بين العاملين بسنة زوجها النبى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومن يقولون إنهم شيعته وأنصار عسرته من أهل بيته.
وأصبح معتادا فى إطار الاختلاف المذهبى أن يسبها دعاة الشيعة، ويقولون إن بها نواقص ويؤلبون العامة عليها باختلاق غيرة وهمية وحقد بينها والسيدة فاطمة الزهراء رضى الله عنها، والادعاء كذبا بأن الرسول قد نهرها أكثر من مرة للتخلص من بعض عيوبها، لكنها وحسبما قال أحد الدعاة الشيعة "عادت ريما لعادتها القديمة"، وهو مثل يكشف ما يحمله من غل، وأن النفوس فيها ما فيها نحو السيدة عائشة.
لا أحد ينكر أن هذا الهجوم المنظم، والماجن من بعض غلاة الشيعة على أمهات المؤمنين وصحابة النبى، يجرح المسلمين السنة والعقلاء من الشيعة، خاصة أنه يستخدم ألفاظا قبيحة ونابية فى بعض الأحيان، ويلعب على العواطف التى يؤججها مخزون حب وتقديس عامة الشيعة لرموز آل البيت.
لكنه فى النهاية لا يصح أن تكون السيدة عائشة كرة يتقاذفها فريقان يلبس كلاهما رداء الدين لخدمة أهداف سياسية، وأعنى هنا أن كثيرا ممن انتفضوا وهبوا لنصرة أم المؤمنين على شاشة قناة الناس، وجيشوا برامجهم للتسفيه من معتقدات الشيعة، وتكفيرهم وإهدار دمائهم وإباحة أعراضهم، معتقدين أنهم بذلك يثبتون غيرتهم على دين الله، وغضبتهم لكرامة أمهات المؤمنين، متجاهلين أن غضبتهم تلك كانت عشوائية لدرجة أن شيعيا واحدا لن يتوقف مع نفسه قليلا ليفكر إذا كان ما يقوله دعاتهم عن الصحابة وأم المؤمنين لائقا أم غير لائق، لن يفكر لأن دعاة السنة بدلا من أن يوضحوا فضل هؤلاء الناس، مع كل الاختلاف عليهم، لا ينكره إلا جاحد أو جاهل، لكن دعاتنا الأفاضل تبارى كل منهم فى إثبات كفر الشيعة، وضعف إيمان من ينادون بالحوار معهم من السنة، بل وتفننوا فى إخراج نصوص وأحاديث وتفاسير، لا يعتد بصحتها فى المسائل الخلافية، ليعتدوا بها على فساد عقيدة الشيعة، وبطلان منهجهم، وحمق أفكارهم.
وربما لا يسع المجال هنا لكى نتحدث عمن يستفيدون من تحويل دفاع قناة الناس عن السيدة عائشة من محاولة لتوضيح الصورة لكثير من الشيعة، إلى حرب ضروس لسب الشيعة ومعتقدهم، لكنه من الغريب أن يسقط دعاة كبار أمثال خالد عبد الله فى هذا الفخ، ويتحول لبوق حرب يشتت المسلمين ولا يجمعهم، فبعدما كنا نعتبر من يخوضون فى أعراض الصحابة وأمهات المؤمنين، من المعتوهين وناقصى العقل، أصبحنا نخشى أن يصبح كل دعاة المسلمين "سنة وشيعة" واقفين على أبواب جهنم يسوقون الناس إليها.
فعلى دعاتنا الأفاضل أن يفطنوا إلى أن الفتنة قادمة لو استمر كلا الطرفين فى تكفير الآخر، والحل أن يعود المتشنجون والصارخون إلى جحورهم ويتركوا الساحة لدعاة الحوار والموعظة الحسنة، قال صلى الله عليه وسلم: "إنه ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهى جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة