أخيرا أخيرا.. أقنعت زوجى مصطفى بعد خمس سنوات زواج أننى: غبية جدا !
الحمد لله، أقولها وأنا أرفع يدى للسماء، وأنا أطبخ وأنا أحكى لأطفالى حدوتة قبل النوم، وأنا أدبر مصروف البيت آخر كل شهر، لا يعرف قيمة ما حققته بعد جهد وصبر ومعاناة إلا زوجة مثلى رزقها الله زوجا مسكينا يتصور أنه أذكى مخلوقاته، يفهمها وهى طايرة، و يعتقد أن ذكاء المرأة عورة وتفكيرها خيانة ومناقشاتها فساد.
أنا غبية، غبية وأعيش، غبية وفى يدى ثلاثة أطفال ليس لهم ذنب فى نظرة أبيهم لعقل زوجته، لم أفكر مرة فى الانفصال، أنا أعيش من أجل أطفالى، أعيش الآن من أجل بيت مستقر لايخافون منه ولا يبتعدون عنه، الحياة اختيارات.. أنت قلتها بدل المرة عشرة، كل إنسان يختار مصيره ومشواره، وأنا اخترت أن أكون أما.. حتى لو ضحيت بأبسط حقوقى.. أن أفكر !
هل أصبح التفكير ياصديقى.. غلطة الزوجة المحبة لبيتها ولو على حساب نفسها ؟
كان ياما كان.. فى يوم من الأيام، قابلت مصطفى فى الصيدلية التى كنت أعمل بها، أقنعنى من طلته الأولى أنه إنسان محدود التفكير، يدور حول نفسه، يبحث عن شىء لايعرفه، يقاوم شهادة بكالوريوس الصيدلة التى يحملها، يبدو مثل طاووس مسكين مطرود من حديقة الحيوان لعدم قدرته على جذب أنظار الأطفال.
كان يشبه السر، كأنه علبة مغلقة لاتعرف إن كانت فارغة أم تخفى هدية ثمينة.. لا أفهمه، هل لهذا السبب أحببته، تحب المرأة الرجل الغامض بسلامته.. كأن كلنا سعاد حسنى وكلهم حسين فهمى !
تصور أحببته، مع أننى أجمل من سعاد حسنى.. ومازلت بفضل غبائى، ومع أنه أيضا ليس له أى علاقة بوسامة حسين فهمى !
تخرجت فى كلية الصيدلة بعده بدفعتين.. وكان عمدا ودائما يقول لصاحب الصيدلية التى نعمل بها معا إنه خريج آخر دفعة محترمة فى الكلية، كان يقولها علنا وكنت أبتلعها كأنه يتكلم عن كلية أخرى ودفعة لا علاقة لى بها.
وفى يوم، كان يأتى ليتسلم منى دائما وردية الليل.. أعلن لى عن رغبته أن يزورنا فى البيت.. وفهمت المعنى الذى يمكن أن تفهمه أى بنت مثلى.. وقلت له وأنا أدرب نفسى على الخجل: تشرف.. أى وقت، فقال بجرأة حسدته عليها: تعرفى تعملى محشى كرنب وورق عنب وملوخية وحمام وصينية مكرونة فى الفرن ورقاق وأم على!
أظن أننى يومها قلت فى سرى وربما سمعنى: يا نهار أسود!
وزارنا الدكتور مصطفى كما كان يحب أن أناديه ومازلت، وهو يخفى علبة شيكولاتة صغيرة بين يديه، كان يبدو مترددا أن يتركها أو يحملها معه بعد الغداء، وبينما كانت أمى تجلس فى انتظار كلمة من عريس منتظر.. وأخى الصغير يلعب دور الأب فى غيابه بعد انفصاله عن حياتنا، ظل الدكتور يختبر الثلاثة: أنا وأمى وأخى.. أسئلة مفضوحة عن الأب الغائب ومصروف البيت ودرجاتى فى الجامعة.. ثم وقف فجأة يمد يده ويشكرنا على الغداء الذى يذكره بأكل أمه فى البلد!
غادر ونحن نتبادل النظرات.. وأجمعنا فى نفس واحد بعد انصرافه أنه جاء ليأكل فعلا.. وليس لأى سبب آخر تصورناه، وهكذا مضت الأيام.. حتى طلب منى مرة أخرى أن يأتى بيتنا على العشاء فى يوم إجازته لموضوع لا يؤجل.. جاء وأكل وشرب وكاد يتمدد ثم أخرج من حقيبة جلد قديمة لاتفارقه عقدا يثبت أنه اشترى نصف الصيدلية التى نعمل بها!
وعلى باب الخروج- كأنه تذكر شيئا- قال مفاجئا الجميع: ياحماتى.. أنا على فكرة بأطلب منك إيد ابنتك.. مبروك علينا !
هو قرر.. أن أمى أصبحت حماته، وأنا زوجته، وأخى الصغير عمه، والبيت بيته، ومبروك علينا دون أن ينتظر ردا، لكن الحقيقة.. ظروفى وعمرى الذى تخطى الثلاثين دون أن يقف على بابى عريس، وتعبى من العمل المرهق كل يوم أكثر من عشر ساعات، وحياتى التى تفتقد الأب بكل هيبته وهيئته، وقلبى الذى أحب مصطفى رغم لسعات دماغه وغموضه... جعلنى لا أفكر فى كل عيوبه التى تشبه بقع الحبر على الملابس وأوافق.
ومن يومها قررت أن أبدو غبية أمامه كلما أمكن.. ولم أكن غبية لكن الغباء عادة يمكن أن نكتسبها بالوقت والممارسة ونستريح، لقد أدركت معه نعمة الغباء، وهى صفة أرجو أن يتحلى بها معظم النساء دون أن يخبرن أزواجهن بالسر، الغباء هو أن تبدو الزوجة أمام زوجها لاتعرف ولاتريد أن تعرف.. مبتسمة فى بلاهة طول الوقت.. مستسلمة للنوم أغلب الظن.. لاتجادل ولا تسأل ولا تدخل فى مناقشات هى الخاسرة دائما فى آخر الفيلم.
ارتاح مصطفى لمستوى غبائى من أول يوم، فإذا سألنى عن شىء.. ردى هو: اللى تشوفه، إذا طلب شيئا حتى ولو لن أنفذه.. أقول له: حاضر، لو بدأ مناقشة ما وأخذ رأيى.. أفرسه وأعمل نفسى ولا أنا هنا !
هذه وصفة مريحة هادئة هانئة لكل زوجة تريد زواجا سعيدا يدوم، الحوارات الطويلة هى التى تفسد الزواج، وتكسر العلاقة، وتهدد أمن البيت، كل زوج مهما كان غبيا.. يريد من هى أغبى منه، يريد أن يكتسح ويفوز ويناور ويكسب ويقف أمام نفسه ويقول إنه أذكى إخواته، أنا كبّرت دماغى ولو تصور البعض مثل أمى أننى فرطت فى شهادتى وعلمى وجمالى وذكائى لمصلحة رجل يتصور أن عبقريته تتجاوز أينشتاين، وبذكائه يدير العالم كما يريد، هل قلت لك إنه فى السنوات القليلة الماضية اشترى الصيدلية التى كان يعمل بها كلها، واشترى نصيبا فى عمارة، واشترى سيارة نقل وتاكسى للأجرة، هو ماهر فى التجارة ولو تقشف على بيته وأولاده وزوجته، لقد أتاح له غبائى أن يفكر وحده ويعمل فى هدوء دون نكد منى ومناقشات لاتودى ولا تجيب، أما أنا أكاد أقول لك بجد إننى أسعد زوجة فى الدنيا، أولادى فى حضنى وزوجى لايفكر فى مجرد النظر لأخرى.. فهل سيجد امرأة تملك نصف مواصفاتى، أتمتع بحياتى بدون وجع قلب، وفى دولابى أحتفظ بكل عقود ما يشتريه مصطفى بعد أن يكتبه باسمى.
يبدو أننى نسيت أن أقول لك إن من ضمن مميزات الغباء إقناع الزوج بطريقة سهلة جدا بضرورة أن يكتب كل شىء باسمى هربا من الحسد ومن الضرائب أيضا!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة