مرت أيام عصيبة على العاملين بجريدة «اليوم السابع»، بعد الإعلان الذى نشر بالعدد الماضى عن نشر الجريدة لكتاب «محاكمة النبى محمد»، وذلك بسبب سيل الهجوم الذى شنه بعض شيوخ الفضائيات على الجريدة، والفهم المغلوط الذى وصل للكثير بعد قراءة العناوين التى لا ننكر أنها كانت مثيرة للغضب، بسبب سقوط أحمد العناوين الرافضة لفصول هذه الرواية بخطأ مطبعى.
ودلل مجلسا الإدارة والتحرير على حسن نواياهم، بإصدار بيان للاعتذار عما نشر بـ«اليوم السابع» فى العدد الماضى، وأعلنوا إحجامهم عن نشر الرواية، إلا بعد موافقة الأزهر وتغيير اسم الرواية، وأكدوا تمسكهم بحماية المقدسات الدينية، وعدم المساس بها، وكان ذلك تراجعا واضحا للحق، فالمهنية تقتضى الالتزام بالحق والعودة له، وأرى أن هذا موقف إيجابى للجريدة، ويؤكد التزامها بميثاق الشرف الصحفى.
وأنا بداية أرفض نشر مثل هذه الروايات، التى أعتبرها محاولة من مجاهيل لإيجاد مساحة إعلامية يظهرون من خلالها، فعشاق الشهرة دوماً يسعون لمخالفة الواقع عملاً بالمثل القائل «خالف تعرف»، كما أؤكد رفضى لمقابلة الفكر والرأى بالعضلات، فما قام به القراصنة من السطو على موقع «اليوم السابع» يوم الأحد الماضى، فعل مستنكر ومرفوض من كل صاحب حجة ومنطق، فمقارعة الرأى بالرأى والحجة بالحجة والفكر بالفكر دأب الأنبياء والرسل، ولنا فى نبينا الكريم القدوة والمثل، فقد حرص كل الحرص على مجادلة مخالفيه فى العقيدة بالحكمة والموعظة الحسنة، وما فرض عقيدته على أهل الأديان الأخرى، ولذا أطالب المتحمسين والمنفعلين أن يحكموا العقل ولا يجعلوا العضلات هى وسيلة الحوار.
واسمحوا لى أن أطرح بعض خواطرى عن بداياتى مع «اليوم السابع»، فلا أخفيكم سراً أنى كنت قلقاً للغاية منذ بداية عملى بهذه المؤسسة، ويعود ذلك لأن ممارستى المهنية السابقة كانت بصحف ومواقع إلكترونية تتصف بالطابع المتدين، واحتكاكى المهنى كان معظمه بصحفيين إسلاميين، وليس هذا معناه أنى لم أكن محتكاً بصحفيين ليبراليين أو شيوعيين أو غير ذلك، فدوائر الزمالة والصداقة جمعت بينى وبين الكثير منهم، لكن لم يجمع بينى وبينهم عمل صحفى. كما كان لدى تصور خاص عن العاملين بمثل هذه الصحف، خاصة أننى وجدت بعض الصحف الليبرالية دأبت على تشويه الأسس الإسلامية، واتخذت من التدين عدواً لها، وأقصت عن صفوفها كل من يظهر عليه مظاهر التدين، لدرجة أن مالك إحدى الصحف المستقلة اليومية الحالية، أعلن على الملأ أنه لن يقبل فى صفوف جريدته إسلامياً، وآخر كان يرفض تماماً أن يدمج فى جريدته أى صحفى ذى توجه إسلامى، وثالث كان يستطلع رأى بعض الجهات الأمنية حول الصحفيين الجدد بجريدته الليبرالية المستقلة، حتى لا تضم جريدته صحفياً أيدلوجياً. لذا كانت «اليوم السابع» المحك الأول لى بعالم الصحافة الليبرالية، كما تعد البوتقة الأولى التى صهرتنى مع مختلف الألوان الصحفية، لذلك قررت أن تكون المهنية هى الأساس فى التعامل، وإثبات الكفاءة هو الفيصل، ولا أخفى أيضاً أن مخاوفى من التضييق علىَّ وعلى حريتى فى الكتابة، كانت تطاردنى بين الحين والآخر، فقد تعودت على مدار 18 عاماً فى بلاط صاحبة الجلالة أن أكتب ما أشاء وقتما أشاء، دون أى حسابات. ولكن مع الاحتكاك وبمرور الأيام وجدت نفسى أمام صورة أخرى غير التى كانت مرسومة فى ذهنى، حيث وجدت أن المهنية هى التى تحكم هذه التجربة، وأن الحرية فى التعبير عن الأفكار للكتّاب مكفولة، حتى لو اختلفوا مع السياسة التحريرية للجريدة، وازدادت ثقتى فى حقيقة كانت راسخة عندى، وهى أن هناك مساحات كبيرة من الممكن أن تجمع بين مختلف المشارب والأفكار وتجعلهم ينطلقون لخدمة هذا الوطن لو صدقت النوايا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة