فى أية دولة تحترم القانون، نجد أن أجهزة الأمن تحترم حقوق مواطنيها، بل وتساعدهم على أخذ حقوقهم، لكن فى وطننا المكلوم نجد أن الشرطة أصبحت أداة لتعذيب المصريين، ولم يكتفوا بما يعانيه أبناء هذا الوطن، فى رحلاتهم مع الظروف الاقتصادية الصعبة، من أجل الحصول على لقمة العيش.
فبعض قيادات وزارة الداخلية تصوروا أن مصر أصبحت عزبة خاصة، وأبناء الشعب عبيد لهم، ولعل خير مثال على ذلك ما شهدته منطقة الموسكى والعتبة وشارع عبد العزيز أمس، فقبل ساعات من الإفطار، تطايرت الأخبار عن قيام بائع متجول يدعى عبد النبى جمال محروس بإلقاء نفسه من الطابق الثالث، بسبب مطاردة رجال شرطة المرافق له، مما أدى إلى إصابته بإصابات مؤثرة نقل على إثرها إلى مستشفى أحمد ماهر، ونظراً لحالته الخطيرة تم نقله للعناية المركزة بمستشفى قصر العينى وكانت شرطة المرافق قد داهمت الباعة الجائلين وطاردتهم واحتجزت عدداً كبيراً منهم أثناء الحملة التى شنوها أمس على هذه المنطقة.
واسمحوا لى أن أنقل إليكم جانبا من معاناة هؤلاء الشباب "الباعة الجائلين" الذين يفضلون الموت على دخول غيابات سجون الداخلية، فمعظم هؤلاء قادمون من أقاليم مصر خاصة محافظات الصعيد، باحثين عن فرصة عمل، بعد أن ضاقت بهم بلادهم ووقفوا فى طوابير البطالة، ومنهم من هو حاصل على مؤهلات عليا ومتوسطة، وبعد رحلة بحث بالقاهرة عن العمل لا يجد له فرصة سوى أن يعمل بائعا متجولا.
ومع دخوله هذه المهنة المحفوفة بالمخاطر يجد نفسه، أمام استغلال كامل له من كل المتعاملين معه، بداية من التاجر الذى يموله والذى يفرض عليه كتابة وصلات أمانة على بياض، ومرورا بإتاوات "الناضورجية" المتابعين له رجال الحى، ونهاية بـ"المعلوم" اليومى لبعض عساكر وأمناء الشرطة، وللأسف نجد هؤلاء الشباب لابد أن يسلم منهم كبش فداء بشكل يومى لحملات التفتيش التى يقودها اللواءات، حتى يؤكد الصغار للكبار أن الأمر يسير على ما يرام.
وكبش الفداء كعبد النبى يرى ما لا يراه أحد من ألوان الإهانة والتعذيب، مما يجعله يقبل على موت بكل رضا إذا تتبعه أشاوس الشرطة من أجل القبض عليه.
وبالطبع كلنا مع الانضباط فى الشارع المصرى، لكن على شرطة المرافق ومحافظ القاهرة أن يوجدوا الأماكن البديلة لهؤلاء الشباب، اللاهث خلف فرص العمل، وأن يعتبر رجال الشرطة هؤلاء مواطنين مصريين لهم حق احترام كرامتهم وأن يعاملوهم بشكل آدمى ويرفعوا عنهم الإتاوات، فهؤلاء تحملوا كل هذه الصعوبات ولم ينزلقوا للمكسب السريع عن طريق الاتجار بالمخدرات أو الطرق المنحرفة الأخرى.
فهل يكون جزاؤهم الإلقاء بهم من الأدوار العليا، فهؤلاء قط لم يكونوا كخالد سعيد لهم أنشطة سياسية، أو كشباب الإخوان واليسار والناصريين الذين يزج بهم فى ظلمات السجون ظلما وزورا، لتبنيهم أيدلوجيات عقائدية وسياسية، لكنهم شباب جل أملهم الحصول على لقمة العيش.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة